قيل: لجميعهما عندنا في الصحة مخرج، فلا وجه لقول قائل: أيُّهما أولى بالصحة؟ وذلك أنّ المعنى الذي في تسمية الله بالرحمن، دون الذي في تسميته بالرحيم: هو أنه بالتسمية بالرحمن موصوف بعموم الرحمة جميعَ خلقه، وأنه بالتسمية بالرحيم موصوف بخصوص الرحمة بعضَ خلقه، إما في كل الأحوال، وإما في بعض الأحوال. فلا شك - إذا كان ذلك كذلك - أنّ ذلك الخصوص الذي في وصفه بالرحيم لا يستحيل عن معناه، في الدنيا كان ذلك أو في الآخرة، أو فيهما جميعًا.
فإذا كان صحيحًا ما قلنا من ذلك - وكان الله جل ثناؤه قد خصّ عباده المؤمنين في عاجل الدنيا بما لطف بهم من توفيقه إياهم لطاعته، والإيمان به وبرسله، واتباع أمره واجتناب معاصيه، مما خُذِل عنه من أشرك به، وكفر وخالف ما أمره به، وركب معاصيَه؛ وكان مع ذلك قد جعلَ، جَلَّ ثناؤه، ما أعد في آجل الآخرة في جناته من النعيم المقيم والفوز المبين، لمن آمن به، وصدّق رسله، وعمل بطاعته، خالصًا، دون من أشرك وكفر به - (١) كان بيِّنًا إن الله قد خص المؤمنين من رحمته في الدنيا والآخرة، مع ما قد عمَّهم به والكفارَ في الدنيا من الإفضال والإحسان إلى جميعهم، في البَسْط في الرزق، وتسخير السحاب بالغَيْثِ، وإخراج النبات من الأرض، وصحة الأجسام والعقول، وسائر النعم التي لا تُحصى، التي يشترك فيها المؤمنون والكافرون.
فربُّنا جل ثناؤه رحمنُ جميع خلقه في الدنيا والآخرة، ورحيمُ المؤمنين خاصةً في الدنيا والآخرة. فأما الذي عمّ جميعَهم به في الدنيا من رحمته فكان رَحمانًا لهم به، فما ذكرنا مع نظائره التي لا سبيل إلى إحصائها لأحد من خلقه، كما قال جل ثناؤه:(وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ الله لا تُحْصُوهَا)[سورة إبراهيم: ٣٤، وسورة النحل: ١٨] .
وأما في الآخرة، فالذي عمّ جميعهم به فيها من رحمته، فكان لهم رحمانًا، تسويته
(١) جواب قوله "فإذ كان صحيحًا. . . " وما بينهما فصل.