للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بين جميعهم جل ذكرُه في عَدله وقضائه، فلا يظلم أحدًا منهم مِثْقال ذَرّة، وإن تَكُ حسنةً يُضاعفها ويُؤتِ من لَدُنْهُ أجرًا عظيما، وتُوفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ. فذلك معنى عمومه في الآخرة جميعَهم برحمته، الذي كان به رحمانًا في الآخرة.

وأما ما خص به المؤمنين في عاجل الدنيا من رحمته، الذي كان به رحيما لهم فيها، كما قال جل ذكره: (وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا) [سورة الأحزاب: ٤٣] فما وصفنا من اللطف لهم في دينهم، فخصّهم به، دونَ من خذَله من أهل الكفر به.

وأمَّا ما خصّهم به في الآخرة، فكان به رحيما لهم دون الكافرين، فما وصفنا آنفًا مما أعدَّ لهم دون غيرهم من النعيم، والكرامة التي تقصرُ عنها الأمانيّ.

وأما القول الآخر في تأويله فهو ما:-

١٤٨ - حدثنا به أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، قال: حدثنا أبو رَوْق، عن الضحاك، عن عبد الله بن عباس، قال: الرحمن، الفعلان من الرحمة، وهو من كلام العرب. قال: الرّحمن الرحيم: الرقيقُ الرفيقُ بمن أحبَّ أن يرحمه، والبعيد الشديد على من أحب أن يعنُف عليه. (١) وكذلك أسماؤه كلها.

وهذا التأويل من ابن عباس، يدل على أن الذي به ربُّنا رحمن، هو الذي به رحيم، وإن كان لقوله "الرحمن" من المعنى، ما ليس لقوله "الرحيم". لأنه جعل معنى "الرحمن" بمعنى الرقيق على من رقَّ عليه، ومعنى "الرحيم" بمعنى الرفيق بمن رفق به.

والقول الذي رويناه في تأويل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكرناه عن العرْزَمي (٢) ، أشبه بتأويله من هذا القول الذي رويناه عن ابن عباس. وإن


(١) الحديث ١٤٨- نقله ابن كثير في التفسير ١: ٤١ عن هذا الموضع، وقد مضى الكلام في هذا الإسناد، وبيان ضعفه: ١٣٧، ١٤١. والذي في الدر المنثور ١: ٨- ٩ "على من أحب أن يضعف عليه العذاب"، والظاهر أنه تصرف من ناسخ أو طابع.
(٢) إشارة إلى ما مضى: ١٤٦، ووقع في الأصول هنا "العرزمي" أيضًا، بتقديم الزاي، وهو خطأ، كما بينا من قبل.

<<  <  ج: ص:  >  >>