كان هذا القول موافقًا معناه معنى ذلك، في أن للرحمن من المعنى ما ليس للرحيم، وأن للرحيم تأويلا غيرَ تأويل الرحمن.
والقول الثالث في تأويل ذلك ما:-
١٤٩ - حدثني به عمران بن بَكَّار الكلاعي، قال: حدثنا يحيى بن صالح، قال: حدثنا أبو الأزهر نصر بن عمرو اللَّخمي من أهلِ فلَسْطين، قال: سمعت عطاء الخراساني يقول: كان الرحمن، فلما اختزلَ الرحمن من اسمه كان الرحمنَ الرحيمَ. (١)
والذي أراد، إن شاء الله، عطاءٌ بقوله هذا: أن الرحمن كان من أسماء الله التي لا يتسمَّى بها أحد من خَلْقِه، فلما تسمَّى به الكذابُ مسيلمة - وهو اختزاله إياه، يعني اقتطاعه من أسمائه لنفسه - أخبر الله جلّ ثناؤه أن اسمه "الرحمنُ الرحيمُ" ليفصِل بذلك لعباده اسمَهُ من اسم من قد تسمَّى بأسمائه، إذ كان لا يسمَّى أحد "الرحمن الرحيم"، فيجمع له هذان الاسمان، غيره جلّ ذكره. وإنما يتسمَّى بعضُ خَلْقه إما رحيما، أو يتسمَّى رَحمن. فأما "رحمن رحيم"، فلم يجتمعا قطّ لأحد سواهُ، ولا يجمعان لأحد غيره. فكأنّ معنى قول عطاء هذا: أن الله جل ثناؤه إنما فَصَل بتكرير الرحيم على الرحمن، بين اسمه واسم غيره من خلقِه، اختلف معناهما أو اتفقا.
والذي قال عطاءٌ من ذلك غيرُ فاسد المعنى، بل جائز أن يكون جلّ ثناؤه خصّ نفسه بالتسمية بهما معًا مجتمعين، إبانةً لها من خلقه، ليعرف عبادُه بذكرهما مجموعينِ أنه المقصود بذكرهما دون مَنْ سواه من خلقه، مع مَا في تأويل كل واحد منهما من المعنى الذي ليس في الآخر منهما.
(١) الأثر ١٤٩- نقله السيوطي في الدر المنثور ١: ٩ ونسبه للطبري وحده. وعطاء الخراساني هو عطاء بن أبي مسلم، وهو ثقة، وضعفه بعض الأئمة. وهو كثير الرواية عن التابعين، وكثير الإرسال عن الصحابة، في سماعه منهم خلاف. وأما الراوي عنه "أبو الأزهر نصر بن عمرو اللخمي"، فإني لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من المراجع، إلا قول الدولابي في الكنى والأسماء ١: ١١٠: "أبو الأزهر الفلسطيني نصر بن عمرو اللخمي، روى عنه يحيى بن صالح الوحاظي".