للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولم تَشكَّك أنّ سامعها يعرف، بما أظهرت من منطقها، ما حذفت - (١) حذفُ ما كفى منه الظاهرُ من منطقها، ولا سيما إن كانت تلك الكلمة التي حُذفت، قولا أو تأويلَ قولٍ، كما قال الشاعر:

وأَعْلَمُ أَنَّنِي سَأَكُونُ رَمْسًا ... إذَا سَارَ النَّوَاعِجُ لا يَسِيرُ (٢)

فَقَالَ السّائلون لِمَنْ حَفَرْتُمْ? ... فَقَالَ المُخْبِرُون لَهُمْ: وزيرُ (٣)

قال أبو جعفر: يريد بذلك، فقال المخبرون لهم: الميِّتُ وزيرٌ، فأسقَط الميت، إذ كان قد أتى من الكلام بما دلّ على ذلك. وكذلك قول الآخر:

وَرأَيتِ زَوْجَكِ في الوغَى ... مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحَا (٤)

وقد علم أنّ الرمح لا يُتَقَلَّد، وإنما أراد: وحاملا رمحًا، ولكن لما كان معلومًا معناه، اكتفى بما قد ظَهر من كلامه، عن إظهار ما حذف منه. وقد يقولون للمسافر إذا ودَّعوه: "مُصاحَبًا مُعافًى"، يحذفون "سر، واخرج"، إذ كان معلومًا معناه، وإن أسقط ذكره.

فكذلك ما حُذف من قول الله تعالى ذكره: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ، لمَّا عُلم بقوله جل وعزّ: (إيّاكَ نَعبُد) ما أراد بقوله: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ،


(١) سياق الكلام: "أن العرب من شأنها. . . حذف" وما بينهما فصل.
(٢) تأتي في تفسير آية سورة المؤمنون: ٨٧ (١٨: ٢٧ بولاق) .، ونسبهما لبعض بني عامر، وكذلك في معاني القرآن للفراء ١: ١٧٠ وهما في البيان والتبيين ٣: ١٨٤ منسوبان للوزيري، ولم أعرفه، وفيها اختلاف في الرواية. الرمس: القبر المسوى عليه التراب. يقول: أصبح قبرا يزار أو يناح عليه. ورواه الجاحظ: "سأصير ميتًا"، وهي لا شيء. والنواعج جمع ناعجة: وهي الإبل السراع، نعجت في سيرها، أي سارت في كل وجه من نشاطها. وفي البيان ومعاني الفراء "النواجع"، وليست بشيء.
(٣) رواية الجاحظ: "فقال السائلون: من المسجى". وفي المعاني "السائرون".
(٤) يأتي في تفسير آيات سورة البقرة: ٧ / وسورة آل عمران: ٤٩ / وسورة المائدة: ٥٣ / وسورة الأنعام: ٩٩ / وسورة الأنفال: ١٤ / وسورة يونس: ٧١ / وسورة الرحمن: ٢٢. وهو بيت مستشهد به في كل كتاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>