محمدًا صلى الله عليه وسلم عما فيه له رضًا. فهو أدبٌ من الله لجميع خلقه على ما أدَّبهم به في الصدقات غير المفروضات ثابتُ الحكم، غيرُ ناسخ لحكم كان قبله بخلافه، ولا منسوخ بحكم حدث بعده. فلا ينبغي لذي ورع ودين أن يتجاوز في صدقات التطوعَ وهباته وعطايا النفل وصدقته، ما أدَّبهم به نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله:"إذا كان عند أحدكم فضل فليبدأ بنفسه، ثم بأهله، ثم بولده"، ثم يسلك حينئذ في الفضل مسالكه التي ترضي الله ويحبها. وذلك هو"القَوام" بين الإسراف والإقتار، الذي ذكره الله عز وجل في كتابه = إن شاء الله تعالى.
* * *
ويقال لمن زعم أن ذلك منسوخ: ما الدلالة على نسخه، وقد أجمع الجميعُ لا خلاف بينهم: على أن للرجل أن ينفق من ماله صدقةً وهِبهً ووصيةً، الثلثَ؟ فما الذي دل على أن ذلك منسوخ؟
فإن زعم أنه يعني بقوله:"إنه منسوخ"، أنّ إخراج العفو من المال غير لازم فرضًا، وإن فرض ذلك ساقطٌ بوجود الزكاة في المال =
= قيل له: وما الدليل على أن إخراج العفو كان فرضًا فأسقطه فرضُ الزكاة، ولا دلالة في الآية على أن ذلك كان فرضًا، إذ لم يكن أمرٌ من الله عز ذكره، بل فيها الدلالة على أنها جوابُ ما سأل عنه القوم على وَجه التعرف لما فيه لله الرضا من الصدقات؟
ولا سبيل لمدَّعي ذلك إلى دلالة توجب صحة ما ادَّعى.
* * *
قال أبو جعفر: وأما القرأة فإنهم اختلفوا في قراءة"العفو". فقرأته عامة قرأة الحجاز وقرأة الحرمين وعُظم قرأة الكوفيين:" قل العفو" نصبًا. وقرأه بعض قرأة البصريين:"قل العفو" رفعًا.
فمن قرأه نصبًا جعل"ماذا" حرفًا واحدًا، ونصبه بقوله:" ينفقون"، على ما قد بيَّنت قبل