للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإن قال لنا قائل: فما معنى قوله -إن كان الأمر على ما وصفت-:"وحمله وفصاله ثلاثون شهرا"، وقد ذكرت آنفا أنه غير جائز أن يكون ما جاوز حد الله تعالى ذكره، نظير ما دون حده في الحكم؟ وقد قلت: إن الحمل والفصال قد يجاوزان ثلاثين شهرا؟

قيل: إن الله تعالى ذكره لم يجعل قوله:"وحمله وفصاله ثلاثون شهرا" حدا تعبد عباده بأن لا يجاوزه، كما جعل قوله:"والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة"، حدا لرضاع المولود الثابت الرضاع، (١) وتعبد العباد بحمل والديه عند اختلافهما فيه، وإرادة أحدهما الضرار به. وذلك أن الأمر من الله تعالى ذكره إنما يكون فيما يكون للعباد السبيل إلى طاعته بفعله والمعصية بتركه. (٢) فأما ما لم يكن لهم إلى فعله ولا إلى تركه سبيل، فذلك مما لا يجوز الأمر به ولا النهي عنه ولا التعبد به.

فإذ كان ذلك كذلك، وكان الحمل مما لا سبيل للنساء إلى تقصير مدته ولا إلى إطالتها، فيضعنه متى شئن، ويتركن وضعه إذا شئن= كان معلوما أن قوله:"وحمله وفصاله ثلاثون شهرا"، إنما هو خبر من الله تعالى ذكره عن أن من خلقه من حملته وولدته وفصلته في ثلاثين شهرا= لا أمر بأن لا يتجاوز في مدة حمله وفصاله ثلاثون شهرا، لما وصفنا. وكذلك قال ربنا تعالى ذكره في كتابه: (وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا) (٣) [سورة الأحقاف: ١٥] .


(١) في المطبوعة: "لرضاع المولود التام الرضاع"، وهو أيضًا كلام بلا معنى مفهوم، غيروا ما في المخطوطة كما أثبتناه، ظنا منهم بأنه هو غير مفهوم!! وعنى بقوله: "الثابت الرضاع"، أي الذي ثبت له أنه"يرضع"، كما سيتبين من سياق كلامه بعد.
(٢) أي: وإلى المعصية بتركه.
(٣) هنا آخر التقسيم القديم الذي نقلت عنه نسختنا. ونص ما بعده: "وصلى الله على محمد النبي وآله وصحبه وسلم كثيرا"

<<  <  ج: ص:  >  >>