للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عليه أمري! فلقيه فقال له: (١) ما صنعت!! لم جئت بملكهم أسيرا، ولم سقتَ مواشيهم؟ قال: إنما سقت المواشي لأقربها. (٢) قال له أشمويل: إن الله قد نزع من بيتك الملك، ثم لا يعود فيه إلى يوم القيامة! فأوحى الله إلى أشمويل: أن انطلق إلى إيشى، فيعرض عليك بنيه، فادهن الذي آمرك بدهن القدس، يكن ملكا على بني إسرائيل. فانطلق حتى أتى إيشى فقال: اعرض علي بنيك! فدعا إيشى أكبر ولده، فأقبل رجل جسيم حسن المنظر، فلما نظر إليه أشمويل أعجبه فقال: الحمد لله، إن الله لبصير بالعباد! فأوحى الله إليه: إن عينيك يبصران ما ظهر، وإني أطلع على ما في القلوب، ليس بهذا! فقال: ليس بهذا، (٣) اعرض علي غيره، فعرض عليه ستة في كل ذلك يقول: ليس بهذا. فقال: هل لك من ولد غيرهم؟ فقال: بلى! لي غلام أمغر، (٤) وهو راع في الغنم. فقال: أرسل إليه. فلما أن جاء داود، جاء غلام أمغر، فدهنه بدهن القدس وقال لأبيه: اكتم هذا، فإن طالوت لو يطلع عليه قتله. فسار جالوت في قومه إلى بني إسرائيل، فعسكر، وسار طالوت ببني إسرائيل وعسكر، وتهيئوا للقتال. فأرسل جالوت إلى طالوت: لم يقتل قومي وقومك؟ (٥) ابرز لي، أو أبرز لي من شئت، فإن قتلتك كان الملك لي، وإن قتلتني كان الملك لك. فأرسل طالوت في عسكره صائحا: من يبرز لجالوت، فإن قتله فإن الملك يُنْكحه ابنته، ويشركه في ملكه. (٦) فأرسل إيشى داود إلى إخوته= قال الطبري، هو أيشى، ولكن قال المحدث: إشى = (٧) وكانوا في العسكر فقال: اذهب فزود إخوتك، (٨) وأخبرني خبر الناس ماذا صنعوا؟ فجاء إلى إخوته وسمع صوتا: إن الملك يقول: من يبرز لجالوت! فإن قتله أنكحه الملك ابنته. فقال داود لإخوته: ما منكم رجل يبرز لجالوت فيقتله وينكح ابنة الملك؟ فقالوا: إنك غلام أحمق! ومن يطيق جالوت، وهو من بقية الجبارين!! فلما لم يرهم رغبوا في ذلك قال: فأنا أذهب فأقتله! فانتهروه وغضبوا عليه، فلما غفلوا عنه ذهب حتى جاء الصائح فقال: أنا أبرز لجالوت! فذهب به إلى الملك، فقال له: لم يجبني أحد إلا غلام من بني إسرائيل، هو هذا! قال: يا بني، أنت تبرز لجالوت فتقاتله! قال: نعم. قال: وهل آنست من نفسك شيئا؟ قال: نعم، كنت راعيا في الغنم فأغار علي الأسد، فأخذت بلحييه ففككتهما. فدعا له بقوس وأداة كاملة، فلبسها وركب الفرس، ثم سار منهم قريبا، ثم صرف فرسه، فرجع إلى الملك، فقال الملك ومن حوله: جبن الغلام! فجاء فوقف على الملك، فقال: ما شأنك؟ قال داود: إن لم يقتله الله لي، لم يقتله هذا الفرس وهذا السلاح! فدعني فأقاتل كما أريد. فقال: نعم يا بني. فأخذ داود مخلاته فتقلدها، وألقى فيها أحجارا، وأخذ مقلاعه الذي كان يرعى به، (٩) ثم مضى نحو جالوت. فلما دنا من عسكره قال: أين جالوت يبرز لي؟ فبرز له على فرس عليه السلاح كله، فلما رآه جالوت قال: إليك أبرز؟! قال نعم. قال: فأتيتني بالمقلاع والحجر كم يؤتى إلى الكلب! قال: هو ذاك. قال: لا جرم أني سوف أقسم لحمك بين طير السماء وسباع الأرض! قال داود: أو يقسم الله لحمك! فوضع داود حجرا في مقلاعه ثم دوره فأرسله نحو جالوت، فأصاب أنف البيضة التي على جالوت حتى خالط دماغه، فوقع من فرسه. فمضى داود إليه فقطع رأسه بسيفه، فأقبل به في مخلاته، وبسلبه يجره، حتى ألقاه بين يدي طالوت، ففرحوا فرحا شديدا. وانصرف طالوت، فلما كان داخل المدينة سمع الناس يذكرون داود، فوجد في نفسه. (١٠) فجاءه داود فقال: أعطني امرأتي! فقال: أتريد ابنة الملك بغير صداق؟ فقال داود: ما اشترطت علي صداقا، وما لي من شيء!! قال: لا أكلفك إلا ما تطيق، أنت رجل جريء، وفي جبالنا هذه جراجمة يحتربون الناس، (١١) وهم غلف، فإذا قتلت منهم مئتي رجل فأتني بغلفهم. (١٢) فجعل كلما قتل منهم رجلا نظم غلفته في خيط، حتى نظم مئتي غلفة. ثم جاء بهم إلى طالوت فألقى بها إليه (١٣) فقال: ادفع إلي امرأتي، قد جئت بما اشترطت. فزوجه ابنته، (١٤) وأكثر الناس ذكر داود، وزاده عند الناس عجبا. (١٥) فقال طالوت لابنه: لتقتلن داود! قال: سبحان الله، ليس بأهل ذلك منك! قال: إنك غلام أحمق! ما أراه إلا سوف يخرجك وأهل بيتك من الملك! فلما سمع ذلك من أبيه انطلق إلى أخته فقال لها: إني قد خفت أباك أن يقتل زوجك داود، فمريه أن يأخذ حذره ويتغيب منه. فقالت له امرأته ذلك، فتغيب. فلما أصبح أرسل طالوت من يدعو له داود، وقد صنعت امرأته على فراشه كهيئة النائم ولحفته. فلما جاء رسول طالوت قال: أين داود؟ ليجب الملك! فقالت له: بات شاكيا ونام الآن، ترونه على الفراش. فرجعوا إلى طالوت فأخبروه ذلك، فمكث ساعة ثم أرسل إليه، فقالت: هو نائم لم يستيقظ بعد. فرجعوا إلى الملك فقال: ائتوني به وإن كان نائما! فجاؤوا إلى الفراش فلم يجدوا عليه أحدا، فجاؤوا الملك فأخبروه، فأرسل إلى ابنته فقال: ما حملك على أن تكذبين؟ قالت: هو أمرني بذلك، وخفت إن لم أفعل أمره أن يقتلني! وكان داود فارا في الجبل حتى قتل طالوت وملك داود بعده.

٥٧٤٣- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: كان طالوت أميرا على الجيش، فبعث أبو داود مع داود بشيء إلى إخوته، فقال داود لطالوت: ماذا لي فأقتل جالوت؟ قال: لك ثلث ملكي، وأنكحك ابنتي. (١٦) فأخذ مخلاته، فجعل فيها ثلاث مروات، (١٧) ثم سمى حجارته تلك:"إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب"، ثم أدخل يده فقال: باسم إلهي وإله آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب! فخرج على"إبراهيم"، فجعله في مرجمته، فخرقت ثلاثا وثلاثين بيضة عن رأسه، وقتلت ثلاثين ألفا من ورائه.

٥٧٤٤- حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: عبر يومئذ النهر مع طالوت أبو داود فيمن عبر، مع ثلاثة عشر ابنا له، وكان داود أصغر بنيه. فأتاه ذات يوم فقال: يا أبتاه، ما أرمي بقذافتي شيئا إلا صرعته! فقال: أبشر يا بني! فإن الله قد جعل رزقك في قذافتك. ثم أتاه مرة أخرى فقال: يا أبتاه، لقد دخلت بين الجبال فوجدت أسدا رابضا، فركبت عليه فأخذت بأذنيه، فلم يهجني! (١٨) قال: أبشر يا بني! فإن هذا خير يعطيكه


(١) في المطبوعة والمخطوطة بإسقاط"له"، وأثبتها من التاريخ.
(٢) أي: لأجعلها قربانا لله، يذبحها قربانا.
(٣) قوله: " فقال: ليس بهذا"، ساقطة من المخطوطة والمطبوعة، وأثبتها من التاريخ.
(٤) في المخطوطة والمطبوعة: "بني لي غلام ... "، وأثبت ما في التاريخ. وقوله"أمغر" هنا، ليست في المخطوطة ولا المطبوعة، وأثبتها من التاريخ. والأمغر: الذي في وجهه حمرة وبياض. وفي كتاب القوم (صموئيل الأول، الإصحاح السادس عشر) أنه كان أشقر.
(٥) في المطبوعة: "لم تقتل قومي وأقتل قومك"، وأثبت ما في المخطوطة والتاريخ.
(٦) عند هذا الموضع، انتهى ما رواه الطبري في تاريخه ١: ٢٤٧- ٢٤٨ من هذا الأثر.
(٧) هذه الجملة المعترضة ثابتة في المخطوطة، وحذفت من المطبوعة.
(٨) في المخطوطة والمطبوعة: "فرد إخوتك"، وليس صحيحا، بل الصحيح أنه أرسله بزاد إلى إخوته كما سلف في الماضية، وكأن الصواب"فزود"، أو"بزاد إخوتك".
(٩) هكذا في المخطوطة والمطبوعة، وأجدر أن يقال: "يرمي به".
(١٠) وجد في نفسه: أي غضب، فلم يظهر غضبه، وحسده على ما أصاب من ذكر الناس له.
(١١) الجراجمة: نبط الشام. واحتربه: استلبه وانتهبه، يقول: هم لصوص يستلبون الناس وينتهبونهم.
(١٢) الغلف (بضم فسكون) جمع أغلف"، وهو الذي لم يختتن. وأما"فأتني بغلفهم" فهو جمع غلفة (بضم فسكون) : وهي الغرلة التي يقع عليها الختان.
(١٣) في المخطوطة: "مئتي غلفة إلى طالوت"، وما بينهما بياض، وقد تركت ما في المطبوعة على حاله، لأنه سياق لا بأس به، إلا أنه كان فيها: "ثم جاء بهم إلى طالوت فألقى إليه"، فجعلتها كما ترى.
(١٤) في المخطوطة: "قد ... وأكثر الناس" ما بعد"قد" بياض، وتركت ما في المطبوعة على حاله، لوفائه بالسياق.
(١٥) كأنها في المخطوطة تقرأ: " ورأوه عند الناس عجبا"، ولكني لم أستطع تحققها، فتركت ما في المطبوعة كما هو، فهو قريب المعنى.
(١٦) في المطبوعة: "ثلث مالي"، والذى في المخطوطة: "ثلث مللى"، فرجحت أنها"ملكي" لما سيأتي في الأثر رقم: ٥٧٤٤، ٥٧٤٧.
(١٧) مروات جمع مروة، والمرو: حجارة بيض براقة، تكون فيها النار، والمرو أصلب الحجارة.
(١٨) هاج الشيء يهيجه: أزعجه ونفره. يعني: لم يزعجني عن مكاني منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>