للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حين أتاهم، فقالوا: لم جئت؟ قال: لأقتل جالوت، فإن الله قادر أن أقتله. (١) فسخروا منه= قال ابن جريج، قال مجاهد: كان بعث أبو داود مع داود بشيء إلى إخوته، فأخذ مخلاة فجعل فيها ثلاث مروات، ثم سماهن"إبراهيم" و"إسحاق" و"يعقوب"= قال ابن جريج، قالوا: وهو ضعيف رث الحال، فمر بثلاثة أحجار فقلن له: خذنا يا داود فقاتل بنا جالوت! فأخذهن داود وألقاهن في مخلاته. فلما ألقاهن سمع حجرا منهن يقول لصاحبه: أنا حجر هارون الذي قتل بي ملك كذا وكذا. قال الثاني: أنا حجر موسى الذي قتل بي ملك كذا وكذا. قال الثالث: أنا حجر داود الذي أقتل جالوت! فقال الحجران: يا حجر داود، نحن أعوان لك! فصرن حجرا واحدا. وقال الحجر: يا داود، اقذف بي، فإني سأستعين بالريح= وكانت بيضته، فيما يقولون والله أعلم، فيها ستمئة رطل= (٢) فأقع في رأس جالوت فأقتله! قال ابن جريج، وقال مجاهد: سمى واحدا إبراهيم، والآخر إسحاق، والآخر يعقوب، وقال: باسم إلهي وإله آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب! وجعلهن في مرجمته- قال ابن جريج: فانطلق حتى نفذ إلى طالوت (٣) فقال: إنك قد جعلت لمن قتل جالوت نصف ملكك ونصف كل شيء تملكه! أفلي ذلك إن قتلته؟ قال: نعم! والناس يستهزئون بداود، وإخوة داود أشد من هنالك عليه. وكان طالوت لا ينتدب إليه أحد زعم أنه يقتل جالوت إلا ألبسه درعا عنده، فإذا لم تكن قدرا عليه نزعها عنها. (٤) وكانت درعا سابغة من دروع طالوت، فألبسها داود، فلما رأى قدرها عليه أمره أن يتقدم. فتقدم داود، فقام مقاما لا يقوم فيه أحد، وعليه الدرع. فقال له جالوت: ويحك! من أنت؟ إني أرحمك! ليتقدم إلي غيرك من هذه الملوك! أنت إنسان ضعيف مسكين! فارجع. فقال داود: أنا الذي أقتلك بإذن الله، ولن أرجع حتى أقتلك! فلما أبي داود إلا قتاله، تقدم جالوت إليه ليأخذه بيده مقتدرا عليه، فأخرج الحجر من المخلاة، فدعا ربه ورماه بالحجر، فألقت الريح بيضته عن رأسه، فوقع الحجر في رأس جالوت حتى دخل في جوفه فقتله= قال ابن جريج، وقال مجاهد: لما رمى جالوت بالحجر خرق ثلاثا وثلاثين بيضة عن رأسه، وقتلت من ورائه ثلاثين ألفا، قال الله تعالى:"وقتل داود جالوت". فقال داود لطالوت: ف لي بما جعلت. (٥) فأبى طالوت أن يعطيه ذلك. فانطلق داود فسكن مدينة من مدائن بني إسرائيل حتى مات طالوت. فلما مات عمد بنو إسرائيل إلى داود فجاؤوا به فملّكوه، وأعطوه خزائن طالوت، وقالوا: لم يقتل جالوت إلا نبي! قال الله:"وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء".

* * *

القول في تأويل قوله تعالى: {وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ}

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: وأعطى الله داود الملك والحكمة وعلمه مما يشاء="والهاء" في قوله:"وآتاه الله"، عائدة على داود ="والملك" السلطان (٦) "والحكمة"، النبوة. (٧) وقوله:"وعلمه مما يشاء"، يعني: علمه صنعة الدروع والتقدير في السرد، كما قال الله تعالى ذكره: (وعلمناه صنعة لبوس


(١) "قادر" من قولهم: "قدر الله الشيء وقدره"، قضاه.
(٢) ما بين الخطين، كلام معترض بين كلام الحجر. والضمير في"بيضته"، لجالوت.
(٣) قوله: "فانطلق" الضمير لداود.
(٤) القدر (بفتحتين، وفتح وسكون) : المقدار، أي على مقداره وعلى قدره.
(٥) في المطبوعة: " وف بما جعلت"، وفي المخطوطة"ولي بما جعلت"، وصواب قراءتها ما أثبت وقواه: "ف" هو الأمر من قولهم: " وفى له بالشيء يفي". أمر على حرف واحد.
(٦) انظر تفسير"الملك" فيما سلف ١: ١٤٨- ١٥٠/ ٢: ٤٨٨/ وهذا: ٣١١، ٣١٢، ٣١٤.
(٧) انظر تفسير"الحكمة" فيما سلف ٣: ٨٧، ٨٨، ٢١١/ وهذا: ١٦، ١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>