للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقتل الله به جالوت! (١) فقال: نعم يا نبي الله! قال: فأخرج له اثني عشر رجلا أمثال السواري، (٢) وفيهم رجل بارع عليهم، (٣) فجعل يعرضهم على القرن فلا يرى شيئا، فيقول لذلك الجسيم: ارجع! فيردده عليه. فأوحى الله إليه: إنا لا نأخذ الرجال على صورهم، ولكنا نأخذهم على صلاح قلوبهم. قال: يا رب، قد زعم أنه ليس له ولد غيره! فقال: كذب! فقال: إن ربي قد كذبك! وقال: إن لك ولدا غيرهم! فقال: صدق يا نبي الله، (٤) . لي ولد قصير استحييت أن يراه الناس، فجعلته في الغنم! قال: فأين هو؟ قال في شعب كذا وكذا، من جبل كذا وكذا. فخرج إليه، فوجد الوادي قد سال بينه وبين البقعة التي كان يريح إليها، (٥) قال: ووجده يحمل شاتين يجيز بهما ولا يخوض بهما السيل. (٦) فلما رآه قال: هذا هو لا شك فيه! هذا يرحم البهائم، فهو بالناس أرحم! قال: فوضع القرن على رأسه ففاض. (٧) فقال له: ابن أخي! هل رأيت ها هنا من شيء يعجبك؟ (٨) قال: نعم، إذا سبحت، سبحت معي الجبال، وإذا أتى النمر أو الذئب أو السبع أخذ شاة، قمت إليه فافتح لحييه عنها فلا يهيجني! قال: وألفى معه صفنه. (٩) قال: فمر بثلاثة أحجار ينتزى بعضها على بعض، (١٠) كل واحد منها يقول: أنا الذي يأخذ! ويقول هذا: لا! بل إياي يأخذ! ويقول الآخر مثل ذلك. قال: فأخذهن جميعا فطرحهن في صُفْنِه. فلما جاء مع النبي صلى الله عليه وسلم وخرجوا، قال لهم نبيهم:"إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا"، فكان من قصة نبيهم وقصتهم ما ذكر الله في كتابه، وقرأ حتى بلغ:"والله مع الصابرين". قال: واجتمع أمرهم وكانوا جميعا، وقرأ:"وانصرنا على القوم الكافرين". (١١) وبرز جالوت على بِرْذَوْن له أبلق، في يده قوس نُشَّاب، (١٢) فقال: من يبرز؟ أبرزوا إلي رأسكم! قال: ففظع به طالوت، (١٣) قال: فالتفت إلى أصحابه فقال: من رجل يكفيني اليوم جالوت؟ فقال داود: أنا. فقال: تعال! قال: فنزع درعا له، فألبسه إياها. قال: ونفخ الله من روحه فيه حتى ملأه. قال: فرمى بنشابة فوضعها في الدرع. قال: فكسرها داود ولم تضره شيئا، ثلاث مرات، ثم قال له: خذ الآن! فقال داود: اللهم اجعله حجرا واحدا. قال: وسمى واحدا إبراهيم، وآخر إسحاق، وآخر يعقوب. قال: فجمعهن جميعا فكن حجرا واحدا. قال: فأخذهن وأخذ مقلاعا، فأدارها ليرمي بها فقال: أترميني كما يرمي السبع والذئب؟ أرمني بالقوس! قال: لا أرميك اليوم إلا بها! فقال له مثل ذلك أيضا، فقال: نعم! وأنت أهون علي من الذئب! فأدارها وفيها أمر الله وسلطان الله. قال: فخلى سبيلها مأمورة. قال: فجاءت مظلة فضربت بين عينيه حتى خرجت من قفاه، (١٤) ثم قتلت من أصحابه وراءه كذا وكذا، وهزمهم الله.

٥٧٤٧- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: لما قطعوا ذلك= يعني النهر الذي قال الله فيه مخبرا عن قيل طالوت لجنوده:"إن الله مبتليكم بنهر"= وجاء جالوت، وشق على طالوت قتاله، فقال طالوت للناس: لو أن جالوت قتل، أعطيت الذي يقتله نصف ملكي، وناصفته كل شيء أملكه! فبعث الله داود= وداود يومئذ في الجبل راعي غنم، وقد غزا مع طالوت تسعة إخوة لداود، وهم أبدّ منه، (١٥) وأغنى منه، (١٦) وأعرف في الناس منه، وأوجه عند طالوت منه، فغزوا وتركوه في غنمهم= فقال داود حين ألقى الله في نفسه ما ألقى، وأكرمه: لأستودعن ربي غنمي اليوم، ولآتين الناس، (١٧) فلأنظرن ما الذي بلغني من قول الملك لمن قتل جالوت! فأتى داود إخوته، فلاموه


(١) في المطبوعة: "أن في ولد فلان ... " مرة أخرى، والصواب من المخطوطة والتاريخ.
(٢) السواري جمع السارية: وهي الأسطوانة، من حجارة أو آجر، وفي الحديث أنه نهى أن يصل بين السواري، وهي أسطوانة المسجد، وذلك في صلاة الجماعة، من أجل انقطاع الصف.
(٣) برع يبرع فهو بارع: تم في كل فضيلة وجمال، وفاق أصحابه في العلم وغيره. ويقال: امرأة بارعة: فائقة الجمال والعقل. وكل مشرف يفوق ويعلو، فهو بارع وفارغ. وفي التاريخ"بارع" بحذف"عليهم" وهما سواء، وسيأتي وصفه بعد قليل بأنه"الجسيم"، وهما بمعنى متقارب.
(٤) في المطبوعة: "صدق" بإسقاط"قد"، وهي في المخطوطة والتاريخ.
(٥) في المخطوطة والمطبوعة: "بينه وبين التي يريح ... ": والصواب من التاريخ. وأراح غنمه وأبله يريحها إراحة. ردها إلى مراحها حيث تأوي إليه ليلا. والمراح (بضم الميم) : مأوى الإبل والغنم.
وهو من الرواح، وهو السير بالعشي.
(٦) في المطبوعة والمخطوطة: "يحمل شاتين، يجوز بهما، ولا يخوض" بإسقاط"شاتين""الثانية" وأسقطت المطبوعة: "السيل" الأولى، فأثبت ما في التاريخ وهو الصواب. يقال: "جاز المكان وأجازه" بمعنى واحد. وفي حديث الصراط: "فأكون أنا وأمتي أول من يجيز عليه" بضم الياء.
(٧) عند هذا الموضع انتهى ما رواه الطبري في تاريخه من هذا الأثر الطويل ١: ٢٤٧.
(٨) أعجبه الأمر يعجبه: استخرج عجبه به، إذ يراه أمرا عجيبا.
(٩) في المطبوعة، أسقط بين الكلامين: "قال"، وهي لا بد منها، لأن الحديث غير متصل، كما سترى الذي يليه: "قال فمر ... "، يعني دواد. والصفن (بضم فسكون) : خريطة الراعي، يكون فيها طعامه وزاده وما يحتاج إليه.
(١٠) في المطبوعة: "يأثر بعضها على بعض"، وهو كلام بلا معنى. وفي المخطوطة: " ينترى" غير منقوطة وهذا صواب قراءتها. وانتزى فلان على فلان وتنزى عليه: إذا تسرع إليه بالشر وتواثبا.
من"النزو"، وهو الوثب.
(١١) عند هذا الموضع انتهى جزء من التقسيم القديم الذي نقلت عنه نسختنا، وفيها ما نصه:
"يتلوه: وبرز جالوت على برذون أبلق في يده قوس نشاب
وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم كثيرا"
ثم بعد ذلك:
"بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر".
(١٢) في المطبوعة: "قوس ونشاب"، وأثبت ما في المخطوطة.
(١٣) أفظعه الأمر، وفظع به فظاعة وفظعا (بفتحتين) واستفظعه وأفظعه: رآه فظيعا، فهاله وغلبه، فلم يثق بأن يطيقه.
(١٤) أظل الشيء يظل: أقبل ودنا. وفي حديث مالك: "فلما أظل قادما حضرني بثى".
(١٥) في المطبوعة: أند منه"، ولا يظهر لها معنى. وفي المخطوطة"أند" غير منقوطة، وقرأتها كذلك من"البدد"، وهو عرض ما بين المنكبين، وعظم الخلق، وتباعد ما بين الأعضاء. وهذه صفة إخوته كما سلف في آثار ماضية. هذا على أنهم يقولون في الصفة: "رجل أبد، وامرأة بداء".
(١٦) في المطبوعة: "وأعتى منه"، وفي المخطوطة: " وأعنى منه"، وكأن الصواب ما أثبت.
(١٧) في المخطوطة: "ولا / ببر"، في سطرين، وكأن الصواب ما في المطبوعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>