للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأخبر تعالى ذكره أن علمه وسع كل شيء، فكذلك قوله:"وسع كرسيه السموات والأرض".

* * *

قال أبو جعفر: وأصل"الكرسي" العلم. (١) ومنه قيل للصحيفة يكون فيها علم مكتوب"كراسة"، ومنه قول الراجز في صفة قانص:

* حتى إذا ما احتازها تكرسا * (٢) .

يعني علم. ومنه يقال للعلماء"الكراسي"، لأنهم المعتمد عليهم، كما يقال:"أوتاد الأرض". يعني بذلك أنهم العلماء الذي تصلح بهم الأرض، (٣) ومنه قول الشاعر: (٤)

يحف بهم بيض الوجوه وعصبة ... كراسي بالأحداث حين تنوب (٥)

يعني بذلك علماء بحوادث الأمور ونوازلها. والعرب تسمي أصل كل شيء"الكرس"، يقال منه:"فلان كريم الكرس"، أي كريم الأصل، قال العجاج:


(١) أخشى أن يكون الصواب: "وأصل الكرس: العلم" (بفتح الكاف وسكون الراء) مما رواه ابن العرابى من قولهم: "كرس الرجل" (بفتح ثم كسر) : إذا ازدحم علمه على قلبه. وجعل أبي جعفر هذا أصلا، عجب أي عجب! فمادة اللغة تشهد على خلافه، وتفسير ابن الأعرابى هذا أيضًا شاهد على خلافه. وأنما أصل المادة (كرس) من تراكم الشيء وتلبد بعضه على وتجمعه. وقوله بعد: " ومنه قيل للصحيفة كراسة"، والأجود أن يقال: إنه من تجمع أوراقه بعضها على بعض، أو ضم بعضها إلى بعض.
(٢) لم أجد الرجز، وقوله: "احتازها"، أي حازها وضمها إلى نفسه. ولا أدرى إلى أي شيء يعود الضمير: إلى القانص أم إلى كلبه؟ والاستدلال بهذا الرجز على أنه يعنى بقوله: "تكرس"، علم، لا دليل عليه، حتى نجد سائر الشعر، ولم يذكره أحد من أصحاب اللغة.
(٣) هذا التفسير مأخوذ من قول قطرب كما سيأتى، أنهم العلماء، ولكن أصل مادة اللغة يدل على أن أصل ذلك هو ذلك هو الشيء الثابت الذي يعتمد عليه، كالكرسي الذي يجلس عليه، وتسمية العلماء بذلك مجاز محض.
(٤) لم أعرف قائله.
(٥) لم أجد البيت، إلا فيمن نقل عن الطبري، وفي أساس البلاغة (كرس) أنشده بعد قوله: "ويقال للعلماء الكراسي -عن قطرب" وأنشد البت. ولم أجد من ذكر ذلك من ثقات أهل اللغة.

<<  <  ج: ص:  >  >>