٦١٠٤ - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا زهير، عن جويبر، عن الضحاك في قوله:"أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار"، رجل غرس بستانًا فيه من كل الثمرات، فأصابه الكبر، وله ذرية ضعفاء، فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت، فلا يستطيع أن يدفع عن بستانه من كبره، ولم يستطع ذريته أن يدفعوا عن بستانه، فذهبت معيشته ومعيشة ذريته. فهذا مثل ضربه الله للكافر، يقول: يلقاني يوم القيامة وهو أحوج ما يكون إلى خير يصيبه، فلا يجد له عندي خيرًا، ولا يستطيع أن يدفع عن نفسه من عذاب الله شيئًا.
* * *
قال أبو جعفر: وإنما دللنا أن الذي هو أولى بتأويل ذلك ما ذكرناه، لأن الله جل ثناؤه تقدَّم إلى عباده المؤمنين بالنهي عن المنّ والأذى في صدقاتهم، ثم ضرب مثلا لمن منَّ وآذى من تصدق عليه بصدقة، فمثَّله بالمرائي من المنافقين المنفقين أموالهم رئاء الناس. وكانت قصة هذه الآية وما قبلها من المثل، نظيرةَ ما ضرب لهم من المثل قبلها، فكان إلحاقُها بنظيرتها أولى من حمل تأويلها على أنه مثلُ ما لم يَجر له ذكر قبلها ولا معها. (١)
* * *
فإن قال لنا قائل: وكيف قيل:"وأصابه الكبر"، وهو فعل ماض، فعطف به على قوله:"أيود أحدكم"؟
قيل: إن ذلك كذلك، لأن قوله:"أيود"، يصح أن يوضع فيه"لو" مكان"أن" فلما صلحت ب"لو" و"أن" ومعناهما جميعًا الاستقبال، استجازت العرب أن
(١) انظر ما قاله القرطبي في تفسيره ٣: ٣١٨، في رد اختيار ابن جرير في تفسيره. ومذهب ابن جرير أوثق وأضبط في البيان، وفي الاستدلال.