للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

"تعرفهم بسيماهم" قال: السيما: رثاثة ثيابهم، والجوع خفي على الناس، ولم تستطع الثياب التي يخرجون فيها [أن] تخفى على الناس. (١) .

* * *

قال أبو جعفر: وأول الأقوال في ذلك بالصواب: أن يقال: إن الله عز وجل أخبر نبيَّه صلى الله عليه وسلم أنه يعرفهم بعلاماتهم وآثار الحاجة فيهم. وإنما كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يدرك تلك العلامات والآثار منهم عند المشاهدة بالعِيان، فيعرفُهم وأصحابه بها، كما يُدرك المريضُ فيعلم أنه مريض بالمعاينة.

وقد يجوز أن تكون تلك السيما كانت تخشُّعًا منهم، وأن تكون كانت أثر الحاجة والضرّ، وأن تكون كانت رثاثة الثياب، وأن تكون كانت جميعَ ذلك، وإنما تُدرك علامات الحاجة وآثار الضر في الإنسان، ويعلم أنها من الحاجة والضر، بالمعاينة دون الوصف. وذلك أن المريض قد يصير به في بعض أحوال مرضه من المرض، نظيرُ آثار المجهود من الفاقة والحاجة، وقد يلبس الغني ذو المال الكثير الثيابَ الرثة، فيتزيّى بزيّ أهل الحاجة، فلا يكون في شيء من ذلك دلالة بالصّفة على أنّ الموصوف به مختلٌّ ذو فاقة. وإنما يدري ذلك عند المعاينة بسيماه، كما وصف الله (٢) نظير ما يُعرف أنه مريض عند المعاينة، دون وَصْفه بصفته.

* * *

القول في تأويل قوله: {لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا}

قال أبو جعفر: يقال:" قد ألحف السائل في مسألته"، إذا ألحّ="فهو يُلحف فيها إلحافًا".

* * *


(١) ما بين القوسين زيادة لا بد منها، لتستقيم العبارة.
(٢) في المخطوطة والمطبوعة: "كما وصفهم الله"، والسياق يقتضي ما أثبت. والمخطوطة التي نقلت عنها، فيما نظن، كل النسخ المخطوطة التي طبع عنها، مضطربة الخط، كما سلف الدليل على ذلك مرارًا، وفي هذا الموضع من كتابة الناسخ بخاصة.

<<  <  ج: ص:  >  >>