للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإن قال قائل: أفكان هؤلاء القوم يسألون الناس غيرَ إلحاف؟

قيل: غير جائز أن يكون كانوا يسألون الناس شيئًا على وجه الصدقة إلحافًا أو غير إلحاف، (١) وذلك أن الله عز وجل وصفهم بأنهم كانوا أهل تعفف، وأنهم إنما كانوا يُعرفون بسيماهم. فلو كانت المسألة من شأنهم، لم تكن صفتُهم التعفف، ولم يكن بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى علم معرفتهم بالأدلة والعلامة حاجة، وكانت المسألة الظاهرة تُنبئ عن حالهم وأمرهم.

وفي الخبر الذي:-

٦٢٢٨ - حدثنا به بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن هلال بن حصن، عن أبي سعيد الخدري، قال: أعوزنا مرة فقيل لي: لو أتيتَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فسألته! فانطلقت إليه مُعْنِقًا، فكان أوّل ما واجهني به:"من استعفّ أعفَّه الله، ومَن استغنى أغناهُ الله، ومن سألنا لم ندّخر عنه شيئًا نجده". قال: فرجعت إلى نفسي، فقلت: ألا أستعفّ فيُعِفَّني الله! فرجعت، فما سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا بعد ذلك من أمر حاجة، حتى مالت علينا الدنيا فغرَّقَتنا، إلا من عَصَم الله. (٢) .

* * *


(١) في المطبوعة: "إلحافا وغير إلحاف"، بالواو، وهو لا يستقيم، والصواب ما أثبت. وانظر معاني القرآن للفراء ١: ١٨١، وقد قال: "ومثله قولك في الكلام: قلما رأيت مثل هذا الرجل! ، ولعلك لم تر قليلًا ولا كثيرًا من أشباهه" وسيأتي بعد، في ص: ٥٩٩، وفي اللسان (لحف) ، وذكر الآية: "أي ليس منهم سؤال فيكون إلحاف، كما قال امرؤ القيس [يصف طريقًا غير مسلوكة: عَلَى لاَحِبٍ لاَ يُهْتَدَي بِمَنَارِهِ ... [إِذَا سَافَهُ العَوْدُ النُّبَاطِيُّ جَرْجَرا]
المعنى: "ليس به منار فيهتدى به".
(٢) الحديث: ٦٢٢٨ -إسناده صحيح.
هلال بن حصن، أخو بني مرة بن عباد، من بني قيس بن ثعلبة: تابعى ثقة. ذكره ابن حبّان في الثقات، ص: ٣٦٤، وترجمه البخاري في الكبير ٤ / ٢/ ٢٠٤، وابن أبي حاتم ٤ /٢/ ٧٣ -فلم يذكرا فيه جرحا. وهو مترجم في التعجيل، ص: ٤٣٤.
والحديث رواه أحمد في المسند: ١٤٢٢١، ١٤٢٢٢ (ج ٣ ص ٤٤ حلبي) ، عن محمد بن جعفر وحجاج، ثم عن حسين بن محمد -ثلاثتهم عن شعبة، عن أبي حمزة، عن هلال بن حصن، عن أبي سعيد. فذكر نحوه بأطول منه.
وهذا أيضًا إسناد صحيح.
أبو حمزة: هو البصري"جار شعبة"، عرف بهذا. واسمه: عبد الرحمن بن عبد الله المازني"، ثقة، مترجم في التهذيب ٦: ٢١٩.
وقد ثبت في ترجمة"هلال بن حصن" -في الكبير، وابن أبي حاتم، والثقات، والتعجيل، أنه روى عنه أيضًا"أبو حمزة". وشك في صحة ذلك العلامة الشيخ عبد الرحمن اليماني مصحح التاريخ الكبير، واستظهر أن يكون صوابه "أبو جمرة"، يعنى نصر بن عمران الضبعي. ولكن يرفع هذا الشك أنه في المسند أيضًا "أبو حمزة". لاتفاقه مع ما ثبت في التراجم.
" أعوز الرجل فهو معوز": ساءت حاله وحل عليه الفقر.
"أعنق الرجل إلى الشيء يعنق": أسرع إليه إسراعًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>