للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال أبو جعفر: ومعنى قوله:"يتخبطه الشيطانُ من المسّ"، يتخبله من مَسِّه إياه. يقال منه:"قد مُسّ الرجل وأُلقِ، فهو مَمسوس ومَألوق"، كل ذلك إذا ألمّ به اللَّمَمُ فجُنّ. ومنه قول الله عز وجلّ: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا) [الأعراف: ٢٠١] ، ومنه قول الأعشى:

وَتُصْبحُ عَنْ غِبِّ السُّرَى، وكأَنَّمَا ... أَلَمَّ بِهَا مِنْ طَائِفِ الجِنِّ أَوْلَقُ (١)

* * *

فإن قال لنا قائل: أفرأيت من عمل ما نهى الله عنه من الرِّبا في تجارته ولم يأكله، أيستحقّ هذا الوعيدَ من الله؟

قيل: نعم، وليس المقصود من الربا في هذه الآية الأكلُ، إلا أنّ الذين نزلت فيهم هذه الآيات يوم نزلت، كانت طُعمتهم ومأكلُهم من الربا، فذكرهم بصفتهم، معظّمًا بذلك عليهم أمرَ الرّبا، ومقبِّحًا إليهم الحال التي هم عليها في مطاعمهم، وفي قوله جل ثناؤه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا


(١) ديوانه: ١٤٧، وروايته"من غب السرى"، ورواية اللسان (ألق) ، "ولق"، وهو من قصيدته البارعة في المحرق. ويصف ناقته فيقول قبل البيت، وفيها معنى جيد في صحبة الناقة: وَخَرْقٍ مَخُوفٍ قَدْ قَطَعْتُ بِجَسْرَةٍ ... إذَا خَبَّ آلٌ فَوْقَهُ يَتَرَقْرقُ
هِيَ الصَّاحِبُ الأدْنَى، وَبَيْنى وَبَيْنَها ... مَجُوفٌ عِلاَفِيُّ وقِطْعٌ ونُمْرُقُ
وَتُصْبِحُ عَنْ غبّ السُّرَى. . . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
"الخرق": المفازة الواسعة تتخرق فيها الرياح. "وناقة جسرة": طويلة شديدة جريئة على السير. و"خب": جرى. و"الآل": سراب أول النهار. "يترقرق": يذهب ويجيء. وقوله: "هي الصاحب الأدنى"، أي هي صاحبه الذي يألفه ولا يكاد يفارقه، وينصره في الملمات. و"المجوف": الضخم الجوف. و"العلافى": هو أعظم الرجال أخرة ووسطًا، منسوبة إلى رجل من الأزد يقال له"علاف". و"القطع": طنفسة تكون تحت الرحل على كتفي البعير. و"النمرق والنمرقة": وسادة تكون فوق الرحل، يفترشها الراكب، مؤخرها أعظم من مقدمها، ولها أربعة سيور تشد بآخرة الرحل وواسطته. و"غب السرى": أي بعد سير الليل الطويل. و"الأولق": الجنون. ووصفها بالجنون عند ذلك، من نشاطها واجتماع قوتها، لم يضعفها طول السرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>