للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فاليوم قَدْ نَهْنَهِني تَنَهْنُهِي ... وَأوْلُ حِلْمٍ لَيْسَ بِالمُسَفَّهِ وَقُوَّلٌ: إلا دَهٍ فَلا دَهِ (١)

وينشد أيضًا:

وقَوْلُهُمْ: إلا دَهٍ فَلا دَهِ *

* * *

وإنما قيل:"لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى"، فأصحبَ ماضي الفعل، الحرفَ الذي لا يصحب مع الماضي منه إلا المستقبل، فقيل:"وقالوا لإخوانهم"، ثم قيل:"إذا ضربوا"، وإنما يقال في الكلام:"أكرمتك إذْ زرتني"، ولا يقال:"أكرمتك إذا زرتني". لأن"القول" الذي في قوله:"وقالوا لإخوانهم"، وإن كان في لفظ الماضي فإنه بمعنى


(١) ديوانه: ١٦٦، ومجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ١٠٦، ومشكل القرآن: ٤٣٨، وجمهرة الأمثال: ٢٣، وأمثال الميداني ١: ٣٨، والخزانة ٣: ٩٠، واللسان (قول) (دها) ، وغيرها كثير، وسيأتي في التفسير ٢٤: ٦٦ (بولاق) . وهو من قصيدته التي يذكر فيها نفسه وشبابه، وقد سلفت منها عدة أبيات في مواضع متفرقة.
"نهنهت فلانًا عن الشيء فتنهنه"، أي: زجرته فانزجر، وكففته فانكف. و"الأول": الرجوع. يقول: قد كفني عن الصبا طولى عتابي لنفسي وملامتي إياها، ورجوع عقل لا يوصف بالسفه، بعد جنون الشباب، ثم قول الناس: "إلا ده، فلا ده".
وقد اختلف في تفسير"إلا ده فلا ده"، اختلاف كثير، قال أبو عبيدة: "يقول إن لم يكن هذا فلا ذا. ومثل هذا قولهم: إن لم تتركه هذا اليوم فلا تتركه أبدًا، وإن لم يكن ذاك الآن، لم يكن أبدًا". وقال ابن قتيبة: "يريدون: إن لم يكن هذا الأمر لم يكن غيره. . . ويروى أهل العربية أن الدال فيه مبدلة من ذال، كأنهم أرادوا: إن لم تكن هذه، لم تكن أخرى".
وقال أبو هلال: "قال بعضهم: يضرب مثلا للرجل يطلب شيئًا، فإذا منعه طلب غيره. وقال الأصمعي: لا أدري ما أصله! وقال غيره: أصله أن بعض الكهان تنافر إليه رجلان فامتحناه، فقالا له: في أي شيء جئناك؟ قال: في كذا، قالا: لا! فأعاد النظر وقال: إلا ده فلا ده - أي: إن لم يكن كذا فليس غيره، ثم أخبرهما. . . وكانت العرب تقول، إذا رأى الرجل ثأره: إلا ده فلا ده - أي: إن لم يثأر الآن، لم يثأر أبدًا".
ومهما يكن من أصله، فإن رؤبة يريد: زجرني عن ذلك كف نفسي عن الغي، وأوبة حلم أطاره جنون الشباب، وقول ناصحين يقول: إن لم ترعو الآن عن غيك، فلن ترعوى ما عشت!

<<  <  ج: ص:  >  >>