للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الله لا يخشى أن يصف شبهًا لما شبّه به (١) .

وأما "ما" التي مع "مثل"، فإنها بمعنى "الذي"، لأن معنى الكلام: إن الله لا يستحيي أن يضرب الذي هو بعوضةً في الصغر والقِلة فما فوقها - مثلا.

فإن قال لنا قائل: فإن كان القول في ذلك ما قلت (٢) ، فما وجه نصب البعوضة، وقد علمتَ أنّ تأويل الكلام على ما تأولت (٣) : أن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا الذي هو بعوضة؛ فالبعوضةُ على قولك في محل الرفع؟ فأنى أتاها النصب؟

قيل: أتاها النصب من وجهين: أحدُهما، أن"ما" لما كانت في محل نصْب بقوله"يضرب"، وكانت البعوضة لها صلة، عُرِّبت بتعريبها (٤) فألزمت إعرابها، كما قال حسان بن ثابت:

وَكَفَى بِنَا فَضْلا عَلَى مَنْ غَيْرِنَا ... حُبُّ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ إِيَّانَا (٥)

فعُرِّبت"غيرُ" بإعراب"من". والعرب تفعل ذلك خاصة في"من" و"ما" (٦) ، تعرب صِلاتهما بإعرابهما، لأنهما يكونان معرفة أحيانًا، ونكرة أحيانًا.


(١) هذا بقية تفسير الكلمة على مذهب من قال إن الاستحياء بمعنى الخشية، لا ما أخذ به الطبري، وتفسير الطبري صريح بين في آخر تفسير الآية.
(٢) في المطبوعة: "كما قلت".
(٣) في المطبوعة: "على ما تأولت"، وليست بجيدة.
(٤) في المطبوعة"أعربت بتعريبها". وقوله"عربت": أي أجريت مجراها في الإعراب، وهذا هو معنى"التعريب" في اصطلاح قدماء النحاة، وستمر بك كثيرًا فاحفظها، وهي أوجز مما اصطلح عليه المحدثون منهم.
(٥) ليس في ديوانه، ويأتي في الطبري ٤: ٩٩ غير منسوب، وفي الخزانة: ٢: ٥٤٥ - ٥٤٦ أنه لكعب بن مالك، ونسب إلى حسان بن ثابت ولم يوجد في شعره. ونسب لبشير بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، ونسب أيضًا لعبد الله بن رواحة. وذكره السيوطي في شرح شواهد المغني: ١١٦، ٢٥٢، وأثبت بيتا قبله: نَصَرُوا نَبِيَّهُمُ بِنَصْرِ وَلِيِّهِ ... فالله، عَزَّ، بِنَصْرِهِ سَمَّانَا
قال: يعني أن الله عز وجل سماهم"الأنصار"، لأنهم نصروا النبي صلى الله عليه وسلم ومن والاه. والباء في"بنصر وليه"، بمعنى"مع".
(٦) في المطبوعة: "فالعرب تفعل. . . ".

<<  <  ج: ص:  >  >>