للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال آخرون: معنى ذلك: يريد الله أنْ يُبين لكم ويهديكم سُنن الذين من قبلكم. وقالوا: من شأن العرب التعقيبُ بين"كي" و"لام كي" و"أن"، ووضْعُ كل واحدة منهن موضع كلِّ واحدة من أختها معَ"أردت" و"أمرت". فيقولون:"أمرتكَ أن تذهب، ولتذهب"، و"أردت أن تذهب ولتذهب"، كما قال الله جل ثناؤه: (وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) [سورة الأنعام: ٧١] ، وقال في موضع آخر: (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ) [سورة الأنعام: ١٤] ، (١) وكما قال: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ) [سورة الصف: ٨] ، ثم قال في موضع آخر، (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا) [سورة التوبة: ٣٢] . واعتلوا في توجيههم"أن" مع"أمرت" و"أردت" إلى معنى"كي"، وتوجيه"كي" مع ذلك إلى معنى"أن"، لطلب"أردت" و"أمرت" الاستقبال، وأنها لا يصلح معها الماضي، (٢) لا يقال:"أمرتك أن قمت"، ولا"أردت أن قمت". قالوا: فلما كانت"أن" قد تكون مع الماضي في غير"أردت" و"أمرت"، وَكَّدُوا لها معنى الاستقبال بما لا يكون معه ماض من الأفعال بحال، (٣) من"كي" و"اللام" التي في معنى"كي". قالوا: وكذلك جمعت العرب بينهن أحيانًا في الحرف الواحد، فقال قائلهم في الجمع: (٤)

أَرَدْتَ لِكَيْمَا أَنْ تَطِيرَ بِقِرْبَتِي ... فَتَتْرُكَهَا شَنًّا بِبَيْدَاءَ بَلَقْعِ (٥)


(١) في المخطوطة والمطبوعة: "وأمرت أن أكون"، وهو سهو من الناسخ، وأثبت نص التلاوة.
(٢) في المطبوعة: "وأيهما"، وهي في المخطوطة غير منقوطة، وكأنها خطأ مطبعي.
(٣) في المطبوعة: "ذكروا لها معنى الاستقبال ... "، وهو كلام لا معنى له، صوابه ما أثبته من المخطوطة، والظاهر أن الناشر استنكر عبارة أبي جعفر فغيرها. وعبارة الفراء في معاني القرآن: "استوثقوا لمعنى الاستقبال".
(٤) لا يعرف قائله.
(٥) معاني القرآن للفراء ١: ٢٦٢، الإنصاف: ٢٤٢، الخزانة ٣: ٥٨٥، والعيني (هامش الخزانة) ٤: ٤٠٥، وغيرها، كما قال صاحب الخزانة: "وهذا بيت قلما خلا منه كتاب نحوي".
"الشن": الخلق البالي: و"البيداء": المفازة المهلكة، و"البلقع": الأرض القفر التي لا شيء بها. يقول: إنما أردت بذلك هلاكي وضياعي في قفرة مهلكة.

<<  <  ج: ص:  >  >>