للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إذا كان يومُ القيامة، جمع الله الأولين والآخرين، ثم نادى مناد من عند الله:"ألا من كان يطلب مظلمةً فليجئ إلى حقه فليأخذه"! قال: فيفرح والله المرءُ أن يَذُوب له الحقّ على والده، أو ولده، أو زوجته، فيأخذ منه، وإن كان صغيرًا (١) = ومصداق ذلك في كتاب الله تبارك وتعالى: (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ) [سورة المؤمنون: ١٠١] = فيقال له:"ائت هؤلاء حقوقهم" = أي: أعطهم حقوقهم = فيقول:"أي رب، من أين وقد ذهبت الدنيا"؟ فيقول الله لملائكته:"أي ملائكتي، انظروا في أعماله الصّالحة، وأعطوهم منها"! فإن بقي مثقال ذَرّة من حسنة قالت الملائكة؛ وهو أعلم بذلك منها:"يا ربنا، أعطينا كل ذي حق حقه، وبقي له مثقال ذرة من حسنة" فيقول للملائكة: ضعِّفوها لعبدي، وأدخلوه بفضل رحمتي الجنة" = ومصداق ذلك في كتاب الله:"إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا أي: الجنة، يعطيها. وإن فنيت حسناته وبقيت سيئاته، قالت الملائكة، وهو أعلم بذلك:"إلهنا، فنيت حسناته وبقي سيئاته، وبقي طالبون كثيرٌ"! فيقول الله:"ضعِّفوا عليها من أوزارهم، واكتبوا له كتابًا إلى النار" (٢) قال صدقة: أو صكًّا إلى جهنم، شك صَدَقة أيتهما قال. (٣)

٩٥٠٩ - وحدثت عن محمد بن عبيد، عن هارون بن عنترة، عن عبد الله بن السائب قال: سمعت زاذان يقول: قال عبد الله بن مسعود: يؤخذ بيد العبد والأمة يومَ القيامة، فينادي منادٍ على رؤوس الأولين والآخرين:"هذا فلان بن فلان، من كان له حق فليأت إلى حقه"، فتفرح المرأة أنْ يَذُوب لها الحق على أبيها، أو على ابنها، أو على أخيها، أو على زوجها، (٤) ثم قرأ ابن مسعود: (فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ) [سورة المؤمنون: ١٠١] ، فيغفر الله تبارك وتعالى من حقه ما شاء، ولا يغفر من حقوق الناس شيئًا، فينصبُ للناس فيقول:"ائتوا إلى الناس حقوقهم"! فيقول:"رب فنيت الدنيا، من أين أوتيهم حقوقهم؟ فيقول:"خذوا من أعماله الصالحة، فأعطوا كل ذي حقّ حقه بقدر مَظْلمته". فإن كان وليًّا لله، ففضل له مثقال ذرّة، ضاعفها له حتى يُدخله بها الجنة = ثمّ قرأ علينا:"إنّ الله لا يظلم مثقال ذرة" = وإن كان عبدًا شقيًّا، قال الملك:"رب فنيت حسناته، وبقي طالبون كثير"! فيقول:"خذوا من سيئاتهم فأضيفوها إلى سيئاته، ثم صُكُّوا له صكًّا إلى النار". (٥)

* * *


(١) في المطبوعة: "فيفرح والله الصبي"، وفي المخطوطة: "فيفرح والله الصر أن يذوب"، وصواب قراءتها"المرء" كما أثبتها من المراجع المذكورة بعد.
"ذاب لي على فلان من الحق كذا، يذوب"، أي ثبت له ووجب.
(٢) في المطبوعة: "ضعوا عليها من أوزارهم"، وأثبت ما في المخطوطة. وانظر الأثر التالي.
(٣) الحديث: ٩٥٠٨ - صدقة بن أبي سهل: مترجم في التعجيل، ص: ١٨٥-١٨٦. والكبير ٢ / ٢ / ٢٩٨، برقم: ٢٨٩١، وابن أبي حاتم ٢ / ١ / ٤٣٤-٤٣٥، برقم: ١٩٠٧. ولم يذكرا فيه جرحًا، فهو ثقة.
وشيخه"أبو عمرو": لم أعرف من هو؟ ففي هذه الكنية كثرة.
"زاذان": هو الكندي الضرير. وهو تابعي ثقة معروف.
وانظر الإسناد التالي لهذا.
(٤) انظر تفسير"يذوب"، فيما سلف ص: ٣٦٣، تعليق رقم: ١.
(٥) الحديث: ٩٥٠٩ - هو تكرار للذي قبله بنحوه. ولكن الطبري جاء في أوله بصيغة التجهيل: "حدثت عن محمد بن عبيد". فضاع هذا الإسناد بهذا التجهيل.
ونقله ابن كثير ٢: ٤٤٩-٤٥٠، عن ابن أبي حاتم: "حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا عيسى بن يونس، عن هارون بن عنترة ... "، فزال الضعف عن أول الإسناد.
وهارون بن عنترة: مضى توثيقه وترجمته في: ٤٠٥.
عبد الله بن السائب الكندي، ويقال: الشيباني، الكوفي: ثقة معروف. روى عنه الأعمش والثوري. وأخرج له مسلم.
فهذا الإسناد - عند ابن أبي حاتم - إسناد صحيح.
والحديث أثر موقوف على ابن مسعود. ولكني أراه من المرفوع حكمًا. فإن ما ذكره ابن مسعود مما لا يعرف بالرأي. وما كان ابن مسعود ليقول هذا من عند نفسه: وليس هو ممن ينقل عن أهل الكتاب، ولا يقبل الإسرائيليات.
وقد ذكره ابن كثير - كما قلنا - ثم قال: "ولبعض هذا الأثر شاهد في الحديث الصحيح" ونقله السيوطي ٢: ١٦٣، وزاد نسبته لعبد بن حميد.
"الصك": الكتاب. وقوله: "صكوا" فعل من"الصك"، أي: اكتبوا له صكًا، وهذا الفعل، لم تذكره كتب اللغة، وهذا شاهده.

<<  <  ج: ص:  >  >>