للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ونسوِّيها ="فنردها على أدبارها"، بأن نجعل الوجوه منابتَ الشَّعر، كما وجوه القردة منابت للشعر، لأن شعور بني آدم في أدبار وجوههم. فقالوا: إذا أنبت الشعر في وجوههم، فقد ردَّها على أدبارها، بتصييره إياها كالأقفاء وأدبار الوجوه. (١)

* * *

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قولُ من قال: معنى قوله:"من قبل أن نطمس وجوها"، من قبل أن نطمس أبصارَها ونمحو آثارها فنسوّيها كالأقفاء ="فنردها على أدبارها"، فنجعل أبصارها في أدبارها، يعني بذلك: فنجعل الوجوه في أدبار الوجوه، فيكون معناه: فنحوّل الوجوه أقْفاءً والأقفَاء وجوهًا، فيمشون القهقرى، كما قال ابن عباس وعطية ومن قال ذلك.

* * *

وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب: لأن الله جل ثناؤه خاطب بهذه الآية اليهودَ الذين وصف صفتهم بقوله:"ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يشترون الضلالة"، ثم حذرهم جل ثناؤه بقوله:"يا أيها الذين أوتوا الكتاب أمنوا بما نزلنا مصدِّقًا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها" الآية، بأسَه وسطوته وتعجيل عَقابه لهم، (٢) إن هم لم يؤمنوا بما أمرهم بالإيمان به. ولا شك أنهم كانوا لما أمرهم بالإيمان به يومئذ كفارًا.

* * *

وإذْ كان ذلك كذلك، فبيّنٌ فساد قول من قال: تأويل ذلك: أن نعمِيها عن الحق فنردها في الضلالة. فما وجْه ردِّ من هو في الضلالة فيها؟! وإنما يرد في الشيء من كان خارجًا منه. فأما من هو فيه، فلا وجه لأن يقال:"نرده فيه".

* * *

وإذْ كان ذلك كذلك، وكان صحيحًا أنّ الله قد تهدَّد للذين ذكرهم في هذه


(١) هو الفراء في معاني القرآن ١: ٢٧٢.
(٢) السياق: ثم حذرهم ... بأسه وسطوته ...

<<  <  ج: ص:  >  >>