للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قيل: إن الناس اختلفوا في معنى ذلك.

فقال بعضهم: العذاب إنما يصل إلى الإنسان الذي هو غير الجلد واللحم، (١) وإنما يحرق الجلد ليصل إلى الإنسان ألم العذاب. وأما الجلد واللحم، فلا يألمان. قالوا: فسواء أعيد على الكافر جلدهُ الذي كان له في الدنيا أو جلدٌ غيره، إذ كانت الجلود غير آلمة ولا معذَّبة، وإنما الآلمةُ المعذبةُ: النفسُ التي تُحِس الألم، ويصل إليها الوجع. قالوا: وإذا كان ذلك كذلك، فغير مستحيل أن يُخْلق لكل كافر في النار في كل لحظة وساعة من الجلود ما لا يحصى عدده، ويحرق ذلك عليه، ليصل إلى نفسه ألم العذاب، إذ كانت الجلود لا تألَمُ.

* * *

وقال آخرون: بل الجلودُ تألم، واللحمُ وسائرُ أجزاء جِرْم بني آدم. وإذا أحرق جلدهُ أو غيره من أجزاء جسده، وصل ألم ذلك إلى جميعه. قالوا: ومعنى قوله:"كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودًا غيرها": بدلناهم جلودًا غير محترقة. وذلك أنها تعاد جديدة، والأولى كانت قد احترقتْ، فأعيدت غير محترقة، فلذلك قيل:"غيرها"، لأنها غير الجلود التي كانت لهم في الدنيا، التي عصوا الله وهى لهم. قالوا: وذلك نظيرُ قول العرب للصّائغ إذا استصاغته خاتمًا من خاتم مَصُوغ، (٢) بتحويله عن صياغته التي هُو بها، إلى صياغة أخرى:"صُغْ لي من هذا الخاتم خاتمًا غيره"، فيكسره ويصوغ له منه خاتمًا غيره، والخاتم المصوغ بالصّياغة الثانية هو الأول، ولكنه لما أعيد بعد كسره خاتمًا قيل:"هو غيره". قالوا: فكذلك معنى قوله:"كلما نضجت جلودهم بدّلناهم جلودًا غيرها"، لما


(١) في المخطوطة: "الذي هو الجلد واللحم"، وهو لا يستقيم، وأصاب ناشر المطبوعة الأولى في زيادة"غير".
(٢) "استصاغه خاتما": طلب إليه أن يصوغ له خاتمًا. وهذه صيغة لم تذكرها كتب اللغة، وهي عربية معرقة، وقياس صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>