يقول في قوله:"وأحضرت الأنفس الشح"، قال: لا تطيب نفسُه أن يعطيها شيئًا، فتحلله= ولا تطيب نفسُها أن تعطيه شيئًا من مالها، فتعطفه عليها.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب، قول من قال: عنى بذلك: أحضرت أنفس النساء الشحَّ بأنصبائهن من أزواجهن في الأيام والنفقة.
* * *
و"الشح": الإفراط في الحرص على الشيء، وهو في هذا الموضع: إفراط حرصِ المرأة على نصيبها من أيامها من زوجها ونفقتها.
* * *
فتأويل الكلام: وأحضرت أنفس النساء أهواءَهن، من فرط الحرص على حقوقهن من أزواجهن، والشح بذلك على ضَرائرهن.
* * *
وبنحو ما قلنا في معنى"الشح" ذكر عن ابن عباس أنه كان يقول:
١٠٦٢٥- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله:"وأحضرت الأنفس الشح"، والشح، هواه في الشيء يحرِص عليه.
* * *
وإنما قلنا هذا القول أولى بالصواب، من قول من قال:"عُني بذلك: وأحضرت أنفس الرجال والنساء الشح"، على ما قاله ابن زيد= لأن مصالحة الرجل امرأته بإعطائه إياها من ماله جُعْلا على أن تصفح له عن القسم لها، غير جائزة. وذلك أنه غير معتاض عوضًا من جُعْله الذي بذله لها. والجُعل لا يصح إلا على عِوض: إما عين، وإما منفعة. والرجل متى جعل للمرأة جُعْلا على أن تصفح له عن يومها وليلتها، فلم يملك عليها عينًا ولا منفعة. وإذْ كان ذلك كذلك، كان ذلك من معاني أكل المال بالباطل. وإذْ كان ذلك كذلك، فمعلوم أنه لا وجه لقول من قال:"عنى بذلك الرجل والمرأة".