بمنزلة "كي" في نصبها الأفعال المستقبلة، للزومها الاستقبال. إذ كان أصل الجزاء الاستقبال.
وقال بعض نحويّي أهل البصرة: تأويل ذلك: لا يكن منكما قُرْبُ هذه الشجرة فأن تكونا من الظالمين. غير أنه زعم أنّ "أن" غير جائز إظهارها مع"لا"، ولكنها مضمرة لا بد منها، ليصح الكلام بعطف اسم - وهي"أن" - على الاسم. كما غير جائز في قولهم:"عسى أن يفعل"، عسى الفعل. ولا في قولك:"ما كان ليفعل": ما كان لأن يَفعل.
وهذا القولُ الثاني يُفسده إجماعُ جميعهم على تخطئة قول القائل:"سرني تقوم يا هذا"، وهو يريد سرني قيامُك. فكذلك الواجب أن يكون خطأ على هذا المذهب قول القائل:"لا تقم" إذا كان المعنى: لا يكن منك قيام. وفي إجماع جميعهم -على صحة قول القائل:"لا تقم"، وفساد قول القائل:"سرني تقوم" بمعنى سرني قيامك - الدليل الواضح على فسادِ دعوى المدعي أنّ مع"لا" التي في قوله:"ولا تقربا هذه الشجرة"، ضمير"أن" - وصحةِ القول الآخر.
وفي قوله"فتكونا من الظالمين"، وجهان من التأويل:
أحدهما أن يكون"فتكونا" في نية العطف على قوله"ولا تقربا"، فيكون تأويله حينئذ: ولا تقربا هذه الشجرة ولا تكونا من الظالمين. فيكون"فتكونا" حينئذ في معنى الجزم مجزومًا بما جُزم به"ولا تقربا"، كما يقول القائل: لا تُكلم عمرا ولا تؤذه، وكما قال امرؤ القيس:
فجزم"فيذرِك" بما جزم به"لا تجهدنه"، كأنه كرّر النهي.
(١) ديوانه، من رواية الأعلم الشنتمري، القصيدة رقم: ٣٠، البيت: ٢٦. وفي معاني القرآن للفراء ١: ٢٦، ونسبه سيبويه في الكتاب ١: ٤٥٢، لعمرو بن عمار الطائي، وسيذكره الطبري في (١٥: ١٦٤ بولاق) غير منسوب، ورواية سيبويه"فيدنك من أخرى القطاة" وقوله: "فقلت له" يعني غلامه، وذكره قبل أبيات. وقوله: "صوب"، أي خذ الفرس بالقصد في السير وأرفق به ولا تجهده بالعدو الشديد فيصرعك. أذراه عن فرسه: ألقاه وصرعه. والقطاة: مقعد الردف من الفرس. وأخرى القطاة: آخر المقعد. ورواية الشنتمري: "من أعلى القطاة". وهما سواء.