للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذكره في تأديب نبيه صلى الله عليه وسلم: (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ) [سورة الإسراء: ٢٩] .

* * *

وإنما وصف تعالى ذكره"اليد" بذلك، والمعنى العَطاء، لأن عطاء الناس وبذلَ معروفهم الغالبَ بأيديهم. فجرى استعمال الناس في وصف بعضهم بعضًا، إذا وصفوه بجود وكرم، أو ببخل وشحّ وضيق، بإضافة ما كان من ذلك من صفة الموصوف إلى يديه، كما قال الأعشى في مدح رجل:

يَدَاكَ يَدَا مَجْدٍ، فَكَفٌ مُفِيدَةٌ ... وَكَفٌّ إذَا مَا ضُنَّ بِالزَّادِ تُنْفِقُ (١)

فأضاف ما كان صفة صاحب اليد من إنفاق وإفادة إلى"اليد". ومثل ذلك من كلام العرب في أشعارها وأمثالها أكثر من أن يُحْصى. فخاطبهم الله بما يتعارفونه ويتحاورونه بينهم في كلامهم فقال:"وقالت اليهود يد الله مغلولة"، يعني بذلك: أنهم قالوا: إن الله يبخل علينا، ويمنعنا فضله فلا يُفْضِل، كالمغلولة يده الذي لا يقدر أن يبسطَها بعطاء ولا بذلِ معروف، تعالى الله عما قالوا، أعداءَ الله! (٢)


(١) ديوانه: ١٥٠، وغيره. من قصيدته الغالية التي رفعت المحلق وطارت بذكره في الآفاق، يقول له: لَعَمْرِي لَقَدْ لاحَتْ عُيُونٌ كَثِيرَةٌ ... إلَى ضَوْءِ نارٍ في يَفَاٍع تُحَرَّقُ
تُشَبُّ لمقْرُورَيْنِ يَصْطَلِيَانِهِا ... وَبَاتَ عَلَى النَّارِ النَّدَى والمحَلَّقُ
رَضِيعَيْ لِبَانٍ ثَدْيَ أُمٍّ تَحَالفَا ... بِأَسْحَمَ عَوْضَ الدَّهْرِ لا نَتَفَرَّقُ
تَرَى الجُودَ يَجْرِيِ ظَاهِرًا فَوْقَ وَجْهِهِ ... كَمَا زَانَ مَتْنَ الهُنْدُوَانِيِّ رَوْنَقُ
يَدَاهُ يَدَا صِدْقٍ، فَكفٌّ مُفِيدَةٌ ... وَكَفٌّ إذَا مَا ضُنَّ بِالْمَالِ تُنْفِقُ
هذه رواية مخطوطة ديوانه التي صورتها حديثًا، ورواية هذه المخطوطة تخالف الرواية المطبوعة في أشياء كثيرة، ولا سيما في ترتيب أبيات الشعر.
(٢) في المطبوعة: "عما قال أعداء الله"، وأثبت ما في المخطوطة، وقوله: "أعداء الله" منصوب على الذم.

<<  <  ج: ص:  >  >>