للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القول في تأويل قوله: {أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: أو فكّ عبد من أسر العبودة وذلها.

وأصل "التحرير"، الفك من الأسر، (١) ومنه قول الفرزدق بن غالب:

أَبنِي غُدَانَةَ، إِنَّنِي حَرَّرْتُكُمْ ... فَوَهَبْتُكُمْ لِعَطِيَّةَ بْنِ جِعَالِ (٢)

يعني بقوله: "حرّرتكم"، فككت رقابكم من ذلّ الهجاء ولزوم العار.

* * *

وقيل: "تحرير رقبة"، والمحرَّر ذو الرقبة، (٣) لأن العربَ كان من شأنها إذا أسرت أسيرًا أن تجمع يديه إلى عنقه بقِدٍ أو حبل أو غير ذلك، (٤) وإذا أطلقته من الأسر أطلقت يديه وحلَّتهما مما كانتا به مشدودتين إلى الرقبة. فجرى الكلام


(١) انظر "تحرير رقبة" فيما سلف ٩: ٣٠، وما بعدها، ولم يشرحها أبو جعفر هناك وشرحها هنا. وهذا ضرب من اختصاره في هذا التفسير.
(٢) ديوانه ٧٢٦، النقائض: ٢٧٥، وطبقات فحول الشعراء: ٤٢٤، من قصيدته في هجاء جرير.
و"بنو غدانة" هم: بنو غدانة بن يربوع، أخو "كليب بن يربوع"، جد جرير. و "عطية بن جعال بن قطن بن مالك بن غدانة بن يربوع"، وكان عطية من سادة بني غدانة، وكان صديقًا للفرزدق وخليلا له. فلما بلغ عطية هذا الشعر قال: "جزى الله خليلي عني خيرًا!! ما أسرع ما رجع خليلي في هبته!! "، لأنه هجاهم، وهو يزعم أنه وهب أعراضهم لصاحبه، يقول بعده: فَوَهَبْتُكُمْ لأَحَقِّكُمْ بِقَدِيمُكُمْ ... قِدْمًا، وَأَفْعَلِهِ لِكُلِّ نَوَالِ
لَوْلا عَطِيَّةُ لاجْتَدَعْتُ أُنُوفَكُمْ ... مِنْ بَيْنِ أَلأَمِ آنُفٍ وَسِبَالِ
إِنِّي كَذَاكَ، إِذَا هَجَوْتُ قَبِيلَةً ... جَدَّعْتُهُمْ بِعَوَارِمِ الأمْثَالِ
(٣) في المطبوعة: "صاحب الرقبة"، لم يحسن قراءة المخطوطة.
(٤) في المطبوعة: "بقيد أو حبل"، وهو خطأ، صوابه في المخطوطة. و "القد" (بكسر القاف والدال المشددة) : سير يقد (أي: يشق طولا) من جلد غير مدبوغ. وأما "القيد"، فأكثر ما يكون في الرجلين.

<<  <  ج: ص:  >  >>