للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عند إطلاقهم الأسير، بالخبر عن فك يديه عن رقبته، وهم يريدون الخبرَ عن إطلاقه من أسره، (١) كما يقال: "قبضَ فلان يده عن فلان"، إذا أمسك يده عن نواله ="وبسط فيه لسانه"، (٢) إذا قال فيه سوءًا= فيضافُ الفعل إلى الجارحة التي يكون بها ذلك الفعل دون فاعله، لاستعمال الناس ذلك بينهم، وعلمهم بمعنى ذلك. فكذلك ذلك في قول الله تعالى ذكره: "أو تحرير رقبة"، أضيف "التحرير" إلى "الرقبة"، وإن لم يكن هناك غُلٌّ في رقبته ولا شدُّ يَدٍ إليها، وكان المراد بالتحرير نفسَ العبد، بما وصفنا، من جَرّاء استعمال الناس ذلك بينهم لمعرفتهم بمعناه. (٣)

* * *

فإن قال قائل: أفكلّ الرقاب معنيٌّ بذلك أو بعضه؟ (٤)

قيل: بل معنيّ بذلك كل رقبة كانت سليمة من الإقعاد، (٥) والعمَى والخرس، وقطع اليدين أو شللهما والجنون المطبق، ونظائر ذلك. فإن من كان به ذلك أو شيء منه من الرقاب، فلا خلاف بين الجميع من الحجة أنه لا يجزئ في كفارة اليمين. فكان معلومًا بذلك أن الله تعالى ذكره لم يعنه بالتحرير في هذه الآية. فأما الصغير والكبير والمسلم والكافر، فإنهم معنيون به.

* * *


(١) انظر تفسير: "وفي الرقاب" فيما سلف ٣: ٣٤٧. وتفسير ذلك هناك مختصر، وهو هنا مفصل. وهذا باب من أبواب اختصار أبي جعفر في تفسيره هذا.
(٢) انظر ما سلف في مثل ذلك في تفسير قوله تعالى: "بل يداه مبسوطتان" ص: ٤٥١ وما قبله في تفسير: "بما قدمت أيديهم" ٢: ٣٦٨.
(٣) في المطبوعة والمخطوطة: "من جرى استعمال ... "، وصواب قراءتها "من جراء" وكذلك كتبتها، فإن الذي في كلام الطبري هو "جرى" المقصورة من "جراء". فلذلك كتبها بالياء. يقال: "فعلت ذلك من جراك، ومن جرائك"، أي: من أجلك، وقد جمعتا في شعر واحد: أَمِنْ جَرَّا بَنِي أَسَدٍ غَضِبْتُمُ ... وَلَوْ شِئْتُمْ لَكَانَ لَكُمْ جِوَارُ
وَمنْ جَرَّائِنَا صِرْتُمْ عَبِيدًا ... لِقَوْمٍ، بَعْدَ مَا وُطِئَ الخِيَارُ
(٤) في المطبوعة: "أو بعضها"، والذي في المخطوطة صواب محض.
(٥) "الإقعاد" و "القعاد" (بضم القاف) : داء يقعد. "أقعد الرجل فهو مقعد"، إذا أصابه القعاد فحال بينه وبين المشي.

<<  <  ج: ص:  >  >>