للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فسألهم البينة، فلم يجدوا. فأمرهم أن يستحلفوه بما يُعَظَّم به على أهل دينه، فحلف، فأنزل الله تعالى ذكره:"يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم" إلى قوله:"أن ترد أيمان بعد أيمانهم"، فقام عمرو بن العاص ورجل آخر منهم فحلفا، (١) فنزعتُ الخمسمئة من عدي بن بدَّاء. (٢)

١٢٩٦٨ - حدثنا القاسم، حدثنا الحسين قال، حدثنا أبو سفيان، عن معمر، عن قتادة وابن سيرين وغيره = قال، وثنا الحجاجُ، عن ابن جريج، عن عكرمة = دخل حديث بعضهم في بعض:"يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم" الآية، قال: كان عدي وتميم الداري، وهما من لَخْم، نصرانيَّان، يتَّجران إلى مكة في الجاهلية. فلما هاجرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم حوَّلا متجرهما إلى المدينة، فقدم ابن أبي مارية، مولى عمرو بن العاص المدينة، وهو يريد الشأم تاجرًا، فخرجوا جميعًا، حتى إذا كانوا ببعض الطريق، مرض ابن أبي مارية، فكتب وصيَّته بيده تم دسَّها في متاعه، ثم أوصى إليهما. فلما مات فتحا متاعه، فأخذا ما أرادا، ثم قدما على أهله فدفعا ما أرادا، ففتح أهله متاعه، فوجدوا كتابه وعهده وما خرج به، وفقدوا شيئًا، فسألوهما عنه، فقالوا: هذا الذي قبضنا له ودفع إلينا. قال لهما أهله: فباع شيئًا أو ابتاعه؟ قالا لا! قالوا: فهل استهلك من متاعه شيئًا؟ (٣) قالا لا! قالوا: فهل تَجَر


(١) في المخطوطة: "حلفا"، بغير فاء، وأثبت ما في المطبوعة والمراجع.
(٢) الأثر: ١٢٩٦٧ -"الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني"، "أبو مسلم الحراني"، ثقة مأمون، مضت ترجمته برقم: ١٠٤١١، وكان في المطبوعة هنا: "الحسن بن أبي شعيب" أسقط"بن أحمد"، مع ثبوتها في المخطوطة، وعذره أنه رأى الناسخ كتب"الحسن بن يحيى أحمد قال ابن أبي شعيب"، وضرب على"يحيى" وعلى"قال"، فضرب هو أيضا على"بن أحمد" فحذفها! ! وهو تساهل رديء.
و"محمد بن سلمة الحراني الباهلي"، ثقة، مضت ترجمته برقم: ١٧٥، وقد ورد في إسناد محمد ابن إسحق، مئات من المرات.
و"أبو النضر" هو"محمد بن السائب الكلبي"، ضعيف جدًا، رمي بالكذب. وقد روى الثوري عن الكلبي نفسه أنه قال: "ما حدثت عني، عن أبي صالح، عن ابن عباس، فهو كذب، فلا تروه". مضت ترجمته برقم: ٧٢، ٢٤٦، ٢٤٨.
وأما "باذان، مولى أم هانئ"، أو "باذام" فهو "أبو صالح"، ثقة، مضى برقم: ١١٢، ١٦٨ وغيرها. وهو مترجم في التهذيب، والكبير ١/٢/١٤٤، وابن أبي حاتم ١/١/٤٣١.
وكان في المطبوعة والمخطوطة، والناسخ والمنسوخ جميعًا"زاذان، مولى أم هانئ"، وهذا شيء لم يقله أحد، ولذلك غيرته إلى الصواب الذي أجمعوا عليه، وكأنه خطأ من الناسخ.
وأما "تميم الداري"، و"عدي بن بداء" فقد سلفا في الأثر السابق.
وأما "بريل بن أبي مريم"، مولى بني سهم، أو مولى عمرو بن العاص السهمي، صاحب هذه التجارة، فقد ترجم له ابن حجر في الإصابة في"بديل" بالدال، وكذلك ابن الأثير في أسد الغابة. وكان بديل مسلمًا من المهاجرين.
يقال في اسمه"بديل بن أبي مريم"، و"بديل بن أبي مارية"، ثم اختلف في"بديل"، فروي بالدال، وروي"بريل" بالراء، وروي"بزيل" بالزاي، وروي"برير"، وقال ابن الأثير: "والذي ذكره الأئمة في كتبهم: يزيل، بضم الباء وبالزاي، ونحن نذكره في موضعه إن شاء الله تعالى". هكذا قال ووعد، ثم لم أجد له ذكرًا في كتابه بعد ذلك، فلا أدري أنسي ابن الأثير، أم في كتابه خرم أو نقص!!
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري ٥: ٣٠٨، ما لم يذكره في الإصابة، فقال: "بزيل" بموحدة، وزاي، مصغر. وكذا ضبطه ابن ماكولا، ووقع في رواية الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، عن تميم نفسه عنه الترمذي والطبري (يعني هذا الخبر) : بديل، بدال، بدل الزاي. ورأيته في نسخة من تفسير الطبري: بريل، براء بغير نقطة. ولابن مندة من طريق السدي، عن الكلبي: بديل بن أبي مارية". ثم قال: "ووهم من قال فيه: بديل بن ورقاء، فإنه خزاعي، وهذا سهمي، وكذا وهم من ضبطه بذيل، بالذال المعجمة".
وكان في المطبوعة"بديل"، ولكني أثبت ما في المخطوطة، وأخشى أن تكون مخطوطتنا هذه، هي"النسخة الصحيحة من تفسير الطبري" التي ذكرها الحافظ ابن حجر، أو هي منقولة عن النسخة التي ذكرها ووصفها وصححها.
وهذا الخبر، رواه أبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ: ١٣٣، والترمذي في سننه في كتاب التفسير؛ بهذا الإسناد نفسه. وقال الترمذي: "هذا حديث غريب، وليس إسناده بصحيح. وأبو النضر، الذي روى عنه محمد بن إسحق هذا الحديث، هو عندي: محمد بن السائب الكلبي، يكنى أبا النضر، وقد تركه أهل العلم بالحديث، وهو صاحب التفسير. سمعت محمد بن إسمعيل. يقول: محمد بن سائب الكلبي، يكنى أبا النضر، ولا نعرف لسالم أبي النضر المديني رواية عن أبي صالح (باذان) مولى أم هانئ. وقد روي عن ابن عباس شيء من هذا على الاختصار، عن غير هذا الوجه"، ثم ساق الترمذي الأثر السالف بإسناده.
وخرجه السيوطي في الدر المنثور ٢: ٣٤١، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، وابن مردويه، وأبي نعيم في المعرفة.
(٣) قولهم: "فهل استهلك من متاعه شيئًا"، أي: أضاعه وافتقده، وهذا حرف لم تقيده كتب اللغة، استظهرت معناه من السياق. وقد جاء في حديث عائشة (صحيح مسلم ٢: ٥٩، وتفسير الطبري رقم: ٩٦٤٠) أن عائشة: "استعارت من أسماء قلادة فهلكت"، أي: ضاعت، كما فسرته فيما سلف ٨: ٤٠٤، رقم: ٢. فقوله: "استهلك" هنا، من معنى هذا الحرف الذي لم تقيده كتب اللغة ببيان واضح، وهو"استفعل"، بمعنى: وجده قد ضاع. وهو من صحيح القياس وجيده، وهذا شاهده إن شاء الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>