قلوبنا ونعلم أنْ قد صدقتنا". فقد أنبأ هذا من قِيلهم، (١) أنهم لم يكونوا يعلمون أن عيسى قد صدَقهم، ولا اطمأنت قلوبهم إلى حقيقة نبوّته. فلا بيان أبين من هذا الكلام، في أن القوم كانوا قد خالط قلوبَهم مرضٌ وشك فى دينهم وتصديق رسولهم، وأنهم سَألوا ما سألوا من ذلك اختبارًا.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٢٩٩٥ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ليث، عن عقيل، عن ابن عباس: أنه كان يحدِّث عن عيسى صلى الله عليه وسلم: أنه قال لبني إسرائيل: هل لكم أن تصوموا لله ثلاثين يومًا، ثم تسألوه فيعطيكم ما سألتم؟ فإن أجرَ العامل على من عمل له! ففعلوا، ثم قالوا: يا معلِّم الخير، قلت لنا:"إن أجر العامل على من عمل له"، وأمرتنا أن نصوم ثلاثين يومًا، ففعلنا، ولم نكن نعمل لأحدٍ ثلاثين يومًا إلا أطعمنا حين نفرُغ طعامًا، فهل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء؟ قال عيسى:"اتقوا الله إن كنتم مؤمنين" ="قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبُنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين"، إلى قوله:"لا أعذبه أحدًا من العالمين". قال: فأقبلت الملائكة تطير بمائدةٍ من السماء عليها سبعةُ أحواتٍ وسبعة أرغفة، حتى وضعتها بين أيديهم، فأكل منها آخر الناس كما أكل منها أوّلهم.
١٢٩٩٦ - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء"، قالوا: هل يطيعك ربُّك، إن سألته؟ فأنزل الله عليهم مائدة من السماء فيها جميع الطَّعام إلا اللحم، فأكلوا منها.
* * *
(١) في المطبوعة والمخطوطة: "فقد أنبأ هذا عن قيلهم"، وهو خطأ محض، مخل بالسياق.