للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال الراعي:

اخْتَرْتُكَ النَّاسَ إِذْ غَثَّتْ خَلائِقُهُمْ وَاعْتَلَّ مَنْ كَانَ يُرْجَى عِنْدَهُ السُّولُ (١)

* * *

وقال بعض نحويي الكوفة: إنما استُجيز وقوع الفعل عليهم إذا طرحت "من"، لأنه مأخوذ من قولك: "هؤلاء خير القوم" و"خير من القوم"، فلما جازت الإضافة مكان "من" ولم يتغير المعنى، (٢) استجازُوا: أن يقولوا: "اخترتكم رجلا"، و"اخترت منكم رجلا"، وقد قال الشاعر: (٣)

فَقُلْتُ لَهُ: اخْتَرْهَا قَلُوصًا سَمِينَةً (٤)


(١) (١) لم أجد البيت في مكان. وكان في المطبوعة والمخطوطة: ((إذ عنت)) بالعين المهملة والنون. ولا معنى لها، ورجحت أن الصواب ((غثت)) بالغين والثاء. يقال: ((غثثت في خلقك وحالك غثاثة وغثوثة)) ، ولذلك إذا ساء خلقه وحاله. و ((الغث)) الردئ من كل شيء. و ((اعتل)) ، طلب العلل لمنع العطاء.
(٢) (٢) في المطبوعة والمخطوطة: ((فإذا جازت الإضافة)) ، وأثبت صواب سياقها من معاني القرآن للفراء، فهو نص كلامه.
(٣) (٣) هو الراعي النميري.
(٤) (٤) طبقات فحول الشعراء، لابن سلام: ٤٥٠، وما قبلها، وشرح الحماسة ٤: ٣٧، وما قبله، ومعاني القرآن للفراء ١: ٣٩٥ (وهذا روايته) ، وغيرها. وهو من شعر قاله الراعى لما نزل به ضيف من بنى كلاب في سنة حصاء مجدبة، وليس عنده قرى، والكلابي على ناب له (وهي الناقة المسنة) ، فأمر الراعى ابن أخيه حبتراً، فنحرها من حيث لا يعلم الكلابي، فأطمعه لحمها، فقال الراعي في قصيدته يذكر أنه نظر إلى ناقة الكلابي: فَأَبْصَرْتُهَا كَوْمَاءَ ذَاتَ عَرِيَكَةٍ ... هِجَانًا مِنَ الَّلاتِي تَمَتَّعْنَ بِالصَّوَى
فَأَوْمَضْتُ إيمَاضًا خَفَيًّا لِحَبْتَرٍ ... وَللهِ عَيْنًا حَبْتَرٍ! أَيَّمَا فَتَى
فَقُلْتُ لَهُ: أَلْصِقْ بِأَبْيَسِ سَاقِهَا ... فَإنْ يُجْبَرِ العُرْقُوبُ لا يَرْقَأُ النَّسَا
فَقَامَ إِلَيْهَا حَبْتَرٌ بِسِلاحِهِ، ... مَضَى غَيْرَ مَنْكُودٍ، ومُنْصُلَهُ انْتَضَى
كَأَنِّي وَقَدْ أشْبَعْتُهُ مِنْ سِنَامِهَا ... كَشَفْتُ غِطَاءً عَنْ فُؤَادِي فَانْجَلَى
وهذا تصوير جميل جيد، لهذه الحادثة الطريفة. ثم قال: فَقُلْتُ لِرَبِّ النَّابِ: خُذْهَا فَتِيَّةً ... وَنَابٌ عَلَيْهَا مِثْلُ نَابِكَ فِي الحَيَا
أي: خذ مكانها ناقة فتية، وناقة أخرى مسنة مثل نابك المسنة، يوم يأتي الخصب، وتحيي أموالنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>