قيل: إن ذلك وإن كان جائزًا، فليس الأفصحَ الأعرفَ في كلامها. وتوجيهُ كلام الله إلى الأفصح الأعرف، أولى من توجيهه إلى الأنكر.
* * *
فإن قال قائل: فإن كان الأمر على ما وصفت، فقد يجب أن يكون مباحًا لنا ظُلْم أنفسنا في غيرهن من سائر شهور السنة؟
قيل: ليس ذلك كذلك، بل ذلك حرام علينا في كل وقتٍ وزمانٍ، ولكن الله عظَّم حرمة هؤلاء الأشهر وشرَّفهن على سائر شهور السنة، فخصّ الذنب فيهن بالتعظيم، كما خصّهن بالتشريف، وذلك نظير قوله:(حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى)[سورة البقرة: ٢٣٨] ، ولا شك أن الله قد أمرنا بالمحافظة على الصلوات المفروضات كلها بقوله:(حافظوا على الصلوات) ، ولم يبح ترك المحافظة عليهن، بأمره بالمحافظة على الصلاة الوسطى، ولكنه تعالى ذكره زادَها تعظيمًا، وعلى المحافظة عليها توكيدًا وفي تضييعها تشديدًا. فكذلك ذلك في قوله:(منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم) ،.
* * *
وأما قوله:(وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة) ، فإنه يقول جل ثناؤه: وقاتلوا المشركين بالله، أيها المؤمنون، جميعًا غير مختلفين، مؤتلفين غير مفترقين، كما يقاتلكم المشركون جميعًا، مجتمعين غير متفرقين، كما:-
١٦٧٠٣- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال،
(١) حماسة أبي تمام ٤: ١٥٧، ومعاني القرآن للفراء ١: ٤٣٥. واللسان (قرح) ، غير منسوبة ودل على أنها لعمر بن لجأ، أبيات رواها الأصمعي في الأصمعيات ص: ٢٥، ٢٦ و " قرح " (بضم القاف وسكون الراء) ، هو سوق وادي القرى، صلى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبنى به مسجدا، ورواية الحماسة واللسان، " حبسن في قرح ".