للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإن يك حبهم رشدا أصبه ... ولست بمخطئ إن كان غيا

قالوا: ولا شك أن أبا الأسود لم يكن شاكا في أن حب من سمى - رَشَد، ولكنه أبهم على من خاطبه به. وقد ذكر عن أبي الأسود أنه لما قال هذه الأبيات قيل له: شككت! فقال: كلا والله! ثم انتزع بقول الله عز وجل: (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين) ، فقال: أَوَ كان شاكا -من أخبر بهذا- في الهادي من الضلال. (١)

* * *

وقال بعضهم: ذلك كقول القائل:"ما أطعمتك إلا حلوا أو حامضا"، وقد أطعمه النوعين جميعا. فقالوا: فقائل ذلك لم يكن شاكا أنه قد أطعم صاحبه الحلو والحامض كليهما، ولكنه أراد الخبر عما أطعمه إياه أنه لم يخرج عن هذين النوعين. قالوا: فكذلك قوله: (فهي كالحجارة أو أشد قسوة) ، إنما معناه: فقلوبهم لا تخرج من أحد هذين المثلين، إما أن تكون مثلا للحجارة في القسوة، وإما أن تكون أشد منها قسوة. ومعنى ذلك على هذا التأويل: فبعضها كالحجارة قسوة، وبعضها أشد قسوة من الحجارة.

وقال بعضهم:"أو" في قوله: (أو أشد قسوة) ، بمعنى، وأشد قسوة، كما قال تبارك وتعالى: (ولا تطع منهم آثما أو كفورا) [الإنسان: ٢٤] بمعنى: وكفورا، وكما قال جرير بن عطية:

نال الخلافة أو كانت له قدرا ... كما أتى ربه موسى على قدر (٢)

يعني: نال الخلافة، وكانت له قدرا، وكما قال النابغة:

قالت: ألا ليتما هذا الحمام لنا ... إلى حمامتنا أو نصفه فقد (٣)


(١) قوله"في الهادي من الضلال" يعني نبيه صلى الله عليه وسلم. وعبارة الأغاني: أفترى الله عز وجل شك في نبيه".
(٢) سلف هذا البيت وتخريجه في ١: ٣٣٧.
(٣) ديوانه: ٣٢، وروايته هناك"ونصفه". وهو من قصيدته المشهورة التي يعتذر فيها إلى النعمان. والضمير في قوله: "قالت" إلى"فتاة الحي، المذكورة في شعر قبله، وهي زرقاء اليمامة. وهو خبر مشهور، لا نطيل بذكره.

<<  <  ج: ص:  >  >>