للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يعني بالمخترق: المقطع (وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا) بفخرك وكبرك، وإنما هذا نهي من الله عباده عن الكبر والفخر والخُيَلاء، وتقدم منه إليهم فيه معرِّفهم بذلك أنهم لا ينالون بكبرهم وفخارهم شيئا يقصر عنه غيرهم.

وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا) يعني بكبرك ومرحك.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة (وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا) قال: لا تمش في الأرض فخرا وكبرا، فإن ذلك لا يبلغ بك الجبال، ولا تخرق الأرض بكبرك وفخرك.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج (وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ) قال: لا تفخر.

وقيل: لا تمش مرَحا، ولم يقل مرِحا، لأنه لم يرد بالكلام: لا تكن مرِحا، فيجعله من نعت الماشي، وإنما أريد لا تمرح في الأرض مرَحا، ففسر المعنى المراد من قوله: ولا تمش، كما قال الراجز:

يُعْجَبُهُ السَّخُونُ والعَصِيدُ ... والتَّمْرُ حبًّا مَا لَهُ مَزِيدُ (١)

فقال: حبا، لأن في قوله: يعجبه، معنى يحبّ، فأخرج قوله: حبا، من معناه دون لفظه.

وقوله (كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا) فإن القرّاء اختلفت


(١) البيتان في الملحق بشعر رؤبة بن العجاج، بآخر ديوانه (طبع ليبسج سنة ١٩٠٣ ص ١٧٢) وروايتهما فيه: يُعْجِبُهُ السِّخُونُ والبَرُودُ ... والقَزُّ حُبًّا مالَهُ مَزِيدُ
ورواية البيت في (اللسان: سخن) كرواية المؤلف. قال: ويروى: " حتى ماله مزيد ". وقال: السخون من المرق: ما يسخن. وقال في (برد) : كل ما برد به شيء: برود. أهـ. ولعله يريد الماء البارد، تنقع به الغلة، وقال في (عصد) : العصيدة: دقيق يلت بالسمن ويطبخ. والشاهد في البيت: أن قوله حبا مفعول مطلق، لأنه بمعنى إعجابا، لأن في قوله يعجبه، معنى يحبه، فكأنه مرادف له. وهو نظير قوله تعالى: "ولا تمش في الأرض مرحا، أي المرح. وقد سبق الاستشهاد بالبيت في بعض أجزاء التفسير.

<<  <  ج: ص:  >  >>