فيه، فقرأه بعض قرّاء المدينة وعامة قرّاء الكوفة (كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا) على الإضافة بمعنى: كل هذا الذي ذكرنا من هذه الأمور التي عددنا من مبتدأ قولنا (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ) .... إلى قولنا (وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا)(كانَ سَيِّئُهُ) يقول:
سيء ما عددنا عليك عند ربك مكروها.
وقال قارئو هذه القراءة: إنما قيل (كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ) بالإضافة، لأن فيما عددنا من قوله (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ) أمورا، هي أمر بالجميل، كقوله (وَبالوَالِدَيْنِ إِحْسانا) وقوله (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ) وما أشبه ذلك، قالوا: فليس كلّ ما فيه نهيا عن سيئة، بل فيه نهى عن سيئة، وأمر بحسنات، فلذلك قرأنا (سَيِّئُهُ) ، وقرأ عامة قرّاء أهل المدينة والبصرة وبعض قرّاء الكوفة (كُلُّ ذلكَ كانَ سَيِّئَةً) وقالوا: إنما عنى بذلك: كلّ ما عددنا من قولنا (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) ولم يدخل فيه ما قبل ذلك. قالوا: وكل ما عددنا من ذلك الموضع إلى هذا الموضع سيئة لا حسنة فيه، فالصواب قراءته بالتنوين. ومن قرأ هذه القراءة، فإنه ينبغي أن يكون من نيته أن يكون المكروه مقدما على السيئة، وأن يكون معنى الكلام عنده: كلّ ذلك كان مكروها سيئه؛ لأنه إن جعل قوله: مكروها نعدّ السيئة من نعت السيئة، لزمه أن تكون القراءة: كلّ ذلك كان سيئة عند ربك مكروهة، وذلك خلاف ما في مصاحف المسلمين.
وأولى القراءتين عندي في ذلك بالصواب قراءة من قرأ (كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ) على إضافة السيئ إلى الهاء، بمعنى: كلّ ذلك الذي عددنا من (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ.... كانَ سَيِّئُهُ) لأن في ذلك أمورا منهيا عنها، وأمورا مأمورا بها، وابتداء الوصية والعهد من ذلك الموضع دون قوله (وَلا تَقْتُلُوا أوْلادَكُمْ) إنما هو عطف على ما تقدّم من قوله (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ) فإذا كان ذلك كذلك، فقراءته بإضافة السيء إلى الهاء أولى وأحقّ من قراءته سيئةً بالتنوين، بمعنى السيئة الواحدة.
فتأويل الكلام إذن: كلّ هذا الذي ذكرنا لك من الأمور التي عددناها عليك كان سيئة مكروها عند ربك يا محمد، يكرهه وينهى عنه ولا يرضاه، فاتق مواقعته والعمل به.