للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يعيدكم كما كنتم قبل أن تصيروا حجارة أو حديدا إنسا أحياء، الذي خلقكم إنسا من غير شيء أوّل مرّة.

كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) أي خلقكم (فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ) يقول: فإنك إذا قلت لهم ذلك، فسيهزُّون إليك رءوسهم برفع وخفض، وكذلك النَّغْض في كلام العرب، إنما هو حركة بارتفاع ثم انخفاض، أو انخفاض ثم ارتفاع، ولذلك سمي الظليم نَغْضا، لأنه إذا عجل المشي ارتفع وانخفض، وحرّك رأسه، كما قال الشاعر.

أسكّ نغْضًا لا يَنِي مُسْتَهْدِجا (١)

ويقال: نَغَضَت سنه: إذا تحرّكت وارتفعت من أصلها؛ ومنه قول الراجز:

ونَغَضَتْ مِنْ هَرِمٍ أسْنانُها (٢)

وقول الآخر:

لمَّا رأتْنِي أنْغَضَتْ ليَ الرأسا (٣)


(١) هذا بيت من مشطور الرجز للعجاج (ديوانه طبع ليبسج سنة ١٩٠٣ ص ٧) وهو السابع من أرجوزة مطولة. وفيه: " أصك " بالصاد، في موضع " أسك " بالسين. والأسك: صفة من السكك، وهو الصمم. وقيل: صغر الأذن ولزوقها بالرأس، وقلة إشرافها. وقيل: قصرها ولصوقها بالحششاء، يكون ذلك في الآدميين وغيرهم. قال: والنعام كلها سك وكذلك القطا. وأصل السكك الصمم. اهـ. اللسان. وفي (اللسان: صكك) : الأصك والمصك: القوي الجسيم الشديد الخلق من الناس والإبل والحمير. وفي (نغض) : نغض الشيء نغضا: تحرك واضطرب، وأنغض هو: حركة اهـ. ولا يني: أي لا يفتر. وفيه أيضا (هدج) أورد البيت كرواية الديوان. قال: وهدج الظليم يهدج هدجانا واستهدج، وهو مشى وسعى وعدو، كل ذلك إذا كان في ارتعاش. قال العجاج يصف الظليم: " أصك.. إلخ ". ويروى مستهدجا (بكسر الدال) أي عجلان. وقال ابن الأعرابي: أي مستعجلا، أي أفزع فر. والبيت شاهد على أن " النغض " في كلام العرب حركة بارتفاع ثم انخفاض أو بالعكس.
(٢) البيت من مشطور الرجز، وهو من شواهد أبي عبيدة في (مجاز القرآن ١: ٣٨٢) وعنه أخذه المؤلف. قال أبو عبيدة: " فسينغضون إليك رءوسهم ": مجازه: فسيرفعون ويحركون استهزاء منهم. ويقال: قد نغضت سن فلان: إذا تحركت وارتفعت من أصلها. قال: ونغضت من هرم أسنانها
(٣) وهذا البيت أيضا شاهد بمعنى الذي قبله، وهو من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن (١: ٣٨٢) جاء بعد الأول على أن أنغض الرأس بمعنى حركه ورفعه استهزاء بمن هو أمامه.

<<  <  ج: ص:  >  >>