للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ) أن صلاة الظهر والعصر بحدودهما مما أوجب الله عليك فيهما لأنهما الصلاتان اللتان فرضهما الله على نبيّه من وقت دلوك الشمس إلى غسق الليل، وغسق الليل: هو إقباله ودنوه بظلامه، كما قال الشاعر:

آبَ هَذَا اللَّيْلُ إذْ غَسَقَا (١)

وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل على اختلاف منهم في الصلاة التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإقامتها عنده، فقال بعضهم: الصلاة التي أمر بإقامتها عنده صلاة المغرب.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ) قال: غسق الليل: بدوّ الليل.

حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، قال: سمعت عكرمة سئل عن هذه الآية (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ) قال: بدوّ الليل.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: غسق الليل: غروب الشمس.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد عن ثور، عن معمر، عن قتادة (غَسَقِ اللَّيْلِ) : صلاة المغرب. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ) بدو الليل لصلاة المغرب. وقد ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: " لا تَزَالُ طائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْفِطْرَةِ مَا صَلَّوْا الْمَغْرِبَ قَبْلَ أنْ تَبْدُوَ النُّجُومُ ".

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد. قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ) يعني ظلام الليل.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: كان أبي يقول (غَسَقِ اللَّيْلِ) : ظلمة الليل.

وقال آخرون: هي صلاة العصر.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن أبي جعفر (إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ) قال: صلاة العصر.

وأولى القولين في ذلك بالصواب، قول من قال: الصلاة التي أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بإقامتها عند غسق الليل، هي صلاة المغرب دون غيرها، لأن غسق الليل هو ما وصفنا من إقبال الليل وظلامه، وذلك لا يكون إلا بعد مغيب الشمس. فأما صلاة العصر، فإنها مما تقام بين ابتداء دلوك الشمس إلى


(١) هذا صدر بيت، لعبيد الله بن قيس الرقيات. وعجز * واشتكيت الهم والأرقا *
واستشهد به على أن معنى "غسق الليل": ظلامه. (مجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ٣٨٨) ورواية أبي عبيدة * إن هذا الليل قد غسقا *
وتؤيدها رواية اللسان أيضا. قال: غسق الليل يغسق (كيضرب) غسقا وغسقانا، وأغسق: عن ثعلب: انصت وأظلم، ومنه قول ابن الرقيات * إن هطا الليل قد غسقا *
.

<<  <  ج: ص:  >  >>