الحافظون لحديثه، تارة يكون هناك في المسجد بعض الأصحاب فيتحدث فيحفظون منه، أما الأصحاب الآخرون فهم ما يعلمون ما تحدث به - صلى الله عليه وآله وسلم - في ذلك المجلس الذي لم يكن حوله إلا أفراد قليلون، كذلك كان يسافر فمن كان معه من المسافرين أخذوا منه من العلم ما فات المقيمين في المدينة أوفي مكة أو .. إلى آخره، وهكذا الصور تتعدد وباستطاعة كل واحد منكم أن يتفنن في تعدادها وفي استحضارها بذهنه.
من ذلك مثلاً أنه كان يعيش في داره مع أهله مع أزواجه مع أحفاده، فكان يجري بينه عليه السلام وبين أهله من الكلام الذي هو حديث لا يعلمه أصحابه إطلاقاً، الذين هم خارج الدار ليس لهم علم إنما أهله ونسائه هم الذين يعلمون ما جرى في الدار.
فإذاً: لا نستطيع أن نتصور فرداً من أفراد الصحابة أحاط علماً بكل أحاديث الرسول عليه السلام، هذا أمر مستحيل؛ لأنه لا يمكن أن يكون فرد هوظل الرسول عليه السلام حيثما ذهب، حيثما حضر، حيثما جلس، حيثما سافر يكون معه، هذا أمر مستحيل.
والمقصود من هذا الكلام كله وهو بدهي جداً أن سنة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وقد عرفنا أنها قوله وفعله وتقريره كانت متفرقة بين أصحابه، فهل وجد شخص في ذلك الزمان يستطيع أن يتصل مع كل فرد من أفراد الرسول عليه السلام ويجمع منهم ما سمعوه وما شاهدوه منه عليه السلام.
هذا تصوره يغنيكم عن أن تقولوا هذا أمر مستحيل، وبخاصة إذا تذكرتم الفتوحات الإسلامية التي اقتضت أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يتفرقون في البلاد، فالذين كانوا في مكة، كانوا في المدينة، كانوا في الطائف، كانوا في اليمن، شرقوا