للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها، ولم يجامعوها في البيوت، فسأل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فأنزل الله تعالى:

{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي المَحِيضِ} [البقرة: ٢٢٢].

إلى آخر الآية، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اصنعوا كل شيء إلا النكاح»، فبلغ ذلك اليهود، فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه، فجاء أسيد بن حضير، وعباد بن بشر، فقالا: يا رسول الله إن اليهود تقول كذا وكذا، أفلا نجامعهن؟ فتغير وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى ظننا أن قد وجد عليهما، فخرجا، فاستقبلهما هدية من لبن إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأرسل في آثارهما، فسقاهما، فعرفا أن لم يجد عليهما» (١).


(١) أخرجه مسلم (١/ ١٦٩)، وأبو عوانة (١/ ٣١١ / - ٣١٢) في "صحيحيهما "، وقال الترمذي:
"حديث حسن صحيح".
وقد أخرجه غيرهم، وتكلمنا عليه في "صحيح سنن أبي داود" (رقم ٢٥٠). قال شيخ الإسلام في "الاقتضاء":
"فهذا الحديث يدل على كثرة ما شرعه الله لنبيه من مخالفة اليهود، بل على أنه خالفهم في عامة أمورهم حتى قالوا: "ما يريد أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه".

ثم إن المخالفة - كما سنبينه - تارة تكون في أصل الحكم، وتارة في وصفة، ومجانبة الحائض لم يخالفوا في أصله، بل خولفوا في وصفه، حيث شرع الله مقاربة الحائض في غير محل الأذى، فلما أراد بعض الصحابة أن يتعدى في المخالفة إلى ترك ما شرعه الله؛ تغير وجه الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
وهذا الباب باب الطهارة كان على اليهود فيه أغلال عظيمة، فابتدع النصارى ترك ذلك كله حتى أنهم لا ينجسون شيئاً بلا شرع من الله، فهدى الله الأمة الوسط بما شرع لها إلى الوسط =

<<  <  ج: ص:  >  >>