"فقد نهى - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت الغروب؛ مُعَلِّلاً بأنها تطلع وتغرب بين قرني شيطان، وأنه حينئذ يسجد لها الكفار. ومعلوم أن المؤمن لا يقصد السجود إلا لله تعالى، وأكثر الناس قد لا يعلمون أن طلوعها وغروبها بين قرني شيطان، ولا أن الكفار يسجدون لها، ثم إنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الصلاة في هذا الوقت حسماً لمادة المشابهة بكل طريق .. وكان فيه تنبيه على أن كل ما يفعله المشركون من العبادات ونحوها مما يكون كفراً أو معصية بالنية؛ يُنْهَى المؤمنون عن ظاهره، وإن لم يقصدوا به قصد المشركين، سداً للذريعة وحسماً للمادة ... ولهذا نهى عن الصلاة إلى ما عُبد من دون الله في الجملة، وإن لم يكن العابد يقصد ذلك ... لما فيه من مشابهة السجود لغير الله؛ فانظر كيف قطعت الشريعة المشابهة في الجهات وفي الأوقات! وكما لا يصلي إلى القبلة التي يصلون إليها، كذلك لا يصلي إلى ما يصلون له، بل هذا أشد فساداً، فإن القبلة شريعة من الشرائع قد تختلف باختلاف شرائع الأنبياء؛ أما السجود لغير الله وعبادته فهو محرم في الدين الذي اتفقت عليه رسل الله كما قال سبحانه: [وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آَلِهَةً يُعْبَدُونَ] ". (١) أخرجه مسلم (٢/ ٦٧ - ٦٨)، وأبو عوانة (١/ ٤٠١) في "صحيحيهما "، وابن سعد (٢/ ٢ / ٣٥)، قال شيخ الإسلام (ص ٥٢): " وصف (رسول الله) - صلى الله عليه وسلم - أن الذي كانوا قبلنا كانوا يتخذون قبور الأنبياء والصالحين مساجد، وعقب (في الأصل: "عند"، والتصحيح من المخطوطة) هذا الوصف بالنهي بحرف الفاء أن لا يتخذوا القبور مساجد، وقال: إنه - صلى الله عليه وسلم - ينهانا عن ذلك، ففيه دلالة على أن اتخاذ من قبلنا سبب لنهينا، إما مظهر للنهي، وإما موجب للنهي، وذلك يقتضي أن أعمالهم دلالة وعلامة على أن الله ينهانا عنها، أو أنها علة مقتضية للنهي، وعلى التقديرين يعلم أن مخالفتهم أمر مطلوب للشارع في الجملة. والنهي عن هذا العمل بلعنة اليهود والنصارى مستفيض عنه - صلى الله عليه وسلم - ... وليس هذا موضع استقصاء ذلك؛ إذا الغرض القاعدة الكلية، وإن كان تحريم ذلك ذكره غير واحد من علماء الطوائف من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم".