"وهذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم كما في قول: [ومن يتولهم منكم فإنه منهم]، وهو نظير ما سنذكره عن عبدالله بن عمرو أنه قال: "من بني بأرض المشركين، وصنع نيروزهم ومهرجانهم، وتشبه بهم حتى يموت؛ حشر معهم يوم القيامة". فقد يحمل هذا على التشبه المطلق، فإنه يوجب الكفر، ويقتضي تحريم أبعاض ذلك، وقد يحمل على أنه منهم في القدر المشترك الذي شابههم فيه، فإن كان كفراً أو معصية أو شعاراً لها كان حكمه كذلك، وبكل حال يقتضي تحريم التشبه بعلة كونه تشبهاً. والتشبه يعم من فعل الشيء، لأجل أنهم فعلوه وهو نادر، ومن تبع غيره في فعل لغرض له في ذلك، إذا كان أصل الفعل مأخوذاً عن ذلك الغير، فأما من فعل الشيء واتفق أن الغير فعله أيضاً، ولم يأخذه أحدهما عن صاحبه، ففي كون هذا تشبهاً نظر، لكن قد ينهى عن هذا لئلا يكون ذريعة إلى التشبه، ولما فيه من المخالفة، كما أمر بصبغ اللحى وإحفاء الشوارب، مع أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود"؛ دليل على أن التشبه بهم يحصل بغير قصد منا ولا فعل. بل مجرد ترك تغيير ما خلق فينا، وهذا أبلغ من الموافقة الفعلية الاتفاقية، وقد روى في هذا الحديث عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن التشبه بالأعاجم، وقال: "من تشبه بقوم فهو منهم ". ذكره القاضي أبو يعلي؛ وبهذا احتج غير واحد من العلماء على كراهة أشياء من زي غير المسلمين". ثم ذكر بعض النقول في ذلك عن أحمد وغيره، فمنها: "قال محمد بن أبي حرب: سئل أحمد عن نعل سندي يخرج فيه؟ فكرهه للرجل والمرأة، وقال: إن كان للكنيف والوضوء (قلت: يعني: فلا بأس)، وأكره الصرار، وقال: هو من زي الأعاجم". =