يقولون: الحَسَن ما حَسَّنه الله، والقبيح ما قَبَّحه الله.
فإذاً من سن في الإسلام سنة حسنة، ومن سن في الإسلام سنة سيئة، نعرفه بالشرع والنتيجة ما حسنه الشرع، فهو حسن وما قبحه الشرع فهو قبيح، فأين الاستدلال بهذا الحديث على إبداع بدعة في الإسلام ما أنزل الله بها من سلطان، تحميل للحديث ما لا يتحمل، ويدلكم على ذلك ولعلي أنهي الكلام -والحديث كما يقال ذو شجون- يدلكم على ذلك دلالة قاطعة إذا ذَكَّرناكم بمناسبة ورود الحديث، ما سبب ورود الحديث «من سن في الإسلام سنة حسنة» جاء في «صحيح مسلم» متن هذا الحديث بالمناسبة الحديث وهو أعني الحديث من رواية جرير ابن عبد الله البجلي رضي الله تعالى عنه قال: «كنا جلوساً مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فجاءه أعراب مجتابي النمار متقلدي السيوف عامتهم من مُضَر بل كلهم من مضر، فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم تمعر وجهه -أي تغيرت ملامح وجهه حزناً وأسفاً على ما رأى من مظاهر الفقر على هؤلاء الأعرب من مضر- فوقف الرسول عليه السلام في الصحابة خطيباً يحضهم على الصدقة، وقال في جملة ما قال قوله تعالى {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ}[المنافقون: ١٠].
ثم قال عليه السلام: تصدق رجل بدرهمه، بديناره، بصاع بره، بصاع شعيره»، تصدق أي: ليتصدق، هذا من جمال اللغة العربية، يجعل الفعل المضارع مكان الأمر تحقيقاً لهذا الأمر، كأنه صار أمراً واقعاً، تصدق رجل بدرهمه، نعم فما كان من الجماعة الحاضرين إلا أن قام رجل من بينهم وانطلق إلى داره ليعود وقد حمل في طرف ثوبه ما تَيَسَّر له من الصدقة فوضعها أمام الرسول عليه الصلاة