النصوص، على العكس من ذلك أجراها هكذا مطلقة لكي تبقى هكذا قاعدة مستمرة إلى يوم القيامة، هذه القاعدة:«كل بدعة ضلالة» تشبه تماماً قاعدة أخرى لا يمكن أن يدخلها تخصيص ما إطلاقاً ألا وهو قوله عليه الصلاة السلام: «كل مسكر خمر، وكل خمر حرام»، هل يستطيع مسلم أن يقول: لا، ليس كل مسكر خمر، وليس كل خمر حرام؟ كلا ثم كلا.
إذاً: رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - حينما كرر هذه الجملة معنى ذلك أنه سد الطريق على من يحاول تأويلها وتخصيصها ببعض التأويلات كما سمعتم في حديث جرير بن عبد الله، حيث قال عليه الصلاة والسلام:«من سن» ففسروا «من سن» بمن ابتدع، وأنا قلت ولا أزال أقول إن هذا التفسير لو جاء به أعجمي مثلي أنا ألباني، مهما تعلم اللغة العربية فالأمر كما يقال: العرق دساس، فلو أنا أعجمي مثلي فسر قوله عليه السلام:«من سن في الإسلام سنة حسنة» بما فسره بعض العلماء، أي: من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة، لكان ذلك منه خطئأً فاحشاً، ولكان فعلاً يثبت بذلك أنه أعجمي لما يتعرب بعد؛ لأننا إذا قلنا معنى قوله عليه السلام:«من سن في الإسلام» أي: من ابتدع.
قد عرفتم آنفاً من سياقي بمناسبة هذا الحديث الشريف أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال هذا الحديث بمناسبة الحض على الصدقة، ولم يكن هناك في المجلس أية بدعة إطلاقاً، فإذا قلنا معنى الحديث كما زعموا: من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة.
نسألهم: أين البدعة في ذلك المجلس، حتى قال الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بمناسبتها من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة، ليس في المجلس ما يمكن أن يقال إنه بدعة.
إذاً: ما كان في المجلس؟ كان الصدقة، بعد أن حضهم الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بالآية وببعض أحاديثه على التصدق على هؤلاء الأعراب قام أولهم فجاء بما تيسر، ثم تبعه الآخرون فجاؤوا بما تيسر لهم، فقال عليه الصلاة والسلام:«من سن في الإسلام سنة حسنة».