ثانياً: أنه من المسلَّم عندهم أنه لا يجوز التقرب إلى الله إلا بما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ لما تقدم بيانه، وقد ضرب لذلك شيخ الإسلام ابن تيمية بعض الأمثلة التي تؤكد لكل ذي علم منصف ما ذكرنا، فقال رحمه الله تعالى:
«ومن المعلوم أن الدين له (أصلان)، فلا دين إلا ما شرع الله، ولا حرام إلا ما حرمه الله، والله تعالى عاب على المشركين أنهم حرموا ما لم يحرمه الله، وشرعوا ديناً لم يأذن به الله.
ولو سئل العالم عمن يعدو بين الجبلين، هل يباح له ذلك؟ قال: نعم، فإذا قيل: إنه على وجه العبادة كما يسعى بين الصفا والمروة؟ قال: إن فعله على هذا الوجه [فهو] حرام منكر، يستتاب فاعله؛ فإن تاب وإلا قتل.
ولو سئل عن كشف الرأس، ولبس الإزار والرداء؟ أفتى بأن هذا جائز، فإذا قيل: إنه يفعله على وجه الإحرام كما يحرم الحاج؟ قال: إن هذا حرام منكر.
ولو سئل عمن يقوم في الشمس؟ قال: هذا جائز، فإذا قيل: إنه يفعله على وجه العبادة؟ قال: هذا منكر، كما روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - رأى رجلاً قائماً في الشمس، فقال:«من هذا؟ ».
قالوا: هذا أبو إسرائيل؛ نذر أن يقوم في الشمس ولا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلم! فقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -:
«مروه فليتكلم، وليجلس، وليستظل، وليتم صومه».
فهذا لو فعله لراحةٍ أو غرض مباح لم ينه عنه، لكن لما فعله على وجه العبادة نهي عنه.
وكذلك لو دخل الرجل إلى بيته من خلف البيت لم يحرم عليه ذلك، ولكن إذا فعل ذلك على أنه عبادة كما كانوا يفعلونه في الجاهلية .. كان عاصياً مذموماً مبتدعاً، والبدعة أحب إلى إبليس من المعصية، لأن العاصي يعلم أنه