للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كيف لا يكون من المشركين، هذه زلة عجيبة من مثل هذا الإمام الطحاوي، ولا ينافي ذلك أنهم لهم تلك الأحكام التي لا يشاركهم فيها غير أهل الكتاب من المشركين فإنهم يشتركون معهم في أحكام أخرى كما لا يخفى على أولي النهى.

بمعنى: إذا كان أهل الكتاب يشتركون مع المشركين في أحكام، ويختلفون عنهم في أحكام، فما الذي يسوغ كونهم يختلفون عنهم في أحكام ألا نحكم عليهم بأنهم مشركون وقد اشتركوا معهم في أحكام، واشتركوا معهم في الشرك، فإذاً: هم مشركون، لكنهم أهل كتاب، ولهم أحكام خاصة بهم، ثم قلت: وقد لا يعلم الباحث الفقيه الذي نجاه الله من التقليد في الكتاب والسنة ما يؤكد ما تقدم ويبطل قول الطحاوي السابق: ليس كل كفر بالله شركاً، من ذلك -هنا الانتباه- تلك المحاورة بين المؤمن والكافر الذي افتخر بماله وجنتيه كما قال عز وجل في سورة الكهف: {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنقَلَبًا} [الكهف: ٣٥ - ٣٦] فهذا كفر ولم يشرك في رأي الطحاوي، ولكن السياق يرده، فتابع معي قوله تعالى: {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا * لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا} [الكهف: ٣٧ - ٣٨] فتأمل كيف وصف صاحبه الكافر بالكفر ثم نزه نفسه منه معبراً عنه بمرادفه وهو الشرك فقال: {وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا} [الكهف: ٣٨] وهذا الشرك مما وصف به الكافر نفسه فيما يأتي، فتابع قوله تعالى بعد أن ذكر ما وعظه به صاحبه المؤمن: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>