ويا سبحان الله، ما أشد إغراق من يقول مثل هذا الكلام في الجهل لأنه يتغافل، إن لم يكن غافلاً حقاً، عن أن دعوة الأنبياء والرسل الكرام كانت {أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} بل إن نوحاً-عليه الصلاة والسلام- أقام ألف سنة إلا خمسين عاماً لا يصلح ولا يُشَرِّع، ولا يقيم سياسة ... بل يا قوم اعبدوا الله، واجتنبوا الطاغوت ... !
هل هناك إصلاح؟ هل هناك تشريع؟ هل هناك سياسة؟ ! لا شيء، تعالوا يا قوم اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فهذا أول رسول، بنص الحديث الصحيح، أرسل إلى الأرض، استمر في الدعوة ألف سنة إلا خمسين لا يدعو إلا إلى التوحيد، وهو شغل السلفيين الشاغل .. فكيف يسف كثير من الدعاة الإسلاميين وينحطون إلى درجة أن ينكروا ذلك على السلفيين؟ !
إن من فضائل السنة أنها توضح مشاكل قد تعترض الأمة فيضع لها العلاج مسبقاً بعد أن ينبههم على مرضهم وعلتهم، وكلنا يعلم قول الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ستتداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها، قالوا: أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: لا بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله الرهبة من صدور عدوكم وليقذفن في قلوبكم الوهن؟ قالوا: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهة الموت»(١).
ففي هذا الحديث بيان مرض من الأمراض التي ستصيب المسلمين ويكون ذلك سبباً أو سنة كونية شرعية في آن واحد، أن يتسلط على المسلمين الأعداء، وأن يهجموا عليهم من كل صوب كما تتداعى الأكلة على قصعتها، أقول في هذا
(١) رواه أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما وأحمد والطبراني في الكبير وابن عدي وأبو نعيم في الحلية وهو صحيح.