الحديث؛ ذلك لأن الحديث عند عامة العلماء والشراح إنما يستدلون به على تحريم حب الداخل للقيام من الجالسين وكفى، بينما معاوية رضي الله عنه لفت النظر أن الحديث يدل على أن الجالسين لا ينبغي أن يقوموا للداخل مع أن ظاهر الحديث كما يقول الجمهور ينهى الداخل أن يحب القيام، ذلك كما جاء في سنن الترمذي وغيره أنه دخل مجلسه ذات يوم وفيه اثنان من العبادلة أحدهما صحابي وهو عبد الله بن الزبير والآخر تابعي وهو عبد الله بن عامر، فقام له أحدهما ولم يقم له الآخر فنهاه، واحتج عليه بهذا الحديث، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من أحب أن يتمثل له الناس قياماً فليتبوأ مقعده من النار»، قد يستغرب من لم يسمع باب سد الذرائع أولاً كقاعدة فقهية، والشرح السابق آنفاً ما صلة احتجاج معاوية بهذا الحديث على الذي قام له، فقهه هو ما ذكرناه آنفاً، كأنه يقول له بلسان الحال يا فلان أنت حينما قمت لي إكراماً واحتراماً وتعظيماً فستطبعني بعادتك هذه على حب القيام، وسيأتي يوماً ما إذا لم تقم لي وقعت في الوعيد المذكور في الحديث السابق:«فليتبوأ مقعده من النار».
فإذاً: من باب سد الذريعة لا ينبغي للناس أن يتخذوا هذه الوسيلة وسيلة للإكرام.
وختاماً أقول كما بدأنا الكلام:
وكل خير في اتباع من سلف ... وكل شر في ابتداع من خلف
والحديث الحقيقة له بحث طويل وهناك أشرطة ولا حاجة الآن للإفاضة بأكثر مما سبق، لكن حسبي أن أذكر بقصة ابن بطة العالم المحدث الحنبلي، حيث كان يكره هذا القيام أشد الكراهة، حتى إنه يبدو أنه كان يصرح بالتحريم، فنزل ذات يوم إلى السوق ومعه صاحب له شاعر فمر بعالم وهو جالس في عمله