للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عبدوه حقَّ عبادته. وقال آخرون: ما وصفوه حقَّ صفته (١).

ولمَّا كان أهل العلم والإيمان قد قاموا من ذلك بحسب قدرتهم وطاقتهم التي أعانهم بها ووفقهم بها لمعرفته وعبادته وتعظيمه لم يتناولهم هذا الوصف، فإن التعظيم له سبحانه والمعرفة والعبادة ووصفه بما وصف به نفسه قد أمر به عباده وأعانهم عليه ورضي منهم بمقدورهم من ذلك، وإن كانوا لا يقدرونه قدره، ولا يَقدُر أحدٌ (٢) من العباد قدره، فإنه إذا كانت السماوات السبع في يده كالخردلة في يد أحدنا، والأرضون السبع في يده الأخرى كذلك، فكيف يقدره حق قدره من أنكر أن يكون له يدان، فضلًا عن أن يقبض بهما شيئًا، فلا يد عند المعطلة ولا قبض في الحقيقة، وإنما ذلك مجازٌ لا حقيقة له. وللجهمية والمعطلة نُفاة الصِّفات من هذا الذمِّ أوفر نصيبٍ، وللمتفلسفة وأفراخهم وأتباعهم ذَنُوبًا (٣) مثل ذَنُوب أصحابهم وأكثر.

وقد شرع الله سبحانه لعباده ذكر هذين الاسمين: العلي العظيم في الركوع والسجود، كما ثبت في الصحيح أنه لمَّا نزلت: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ اَلْعَظِيمِ} [الواقعة: ٧٧] قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ». فلمَّا نزلت: {سَبِّحِ اِسْمَ رَبِّكَ اَلْأَعْلَى} [الأعلى: ١] قال: «اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ» (٤).


(١) ينظر «التفسير البسيط» للواحدي (٨/ ٢٧٣).
(٢) «ح»: «أحدا». والمثبت من «م».
(٣) كذا وقع في «ح» منصوبًا، والذنوب: النصيب. «الصحاح» (١/ ١٢٨).
(٤) أخرجه الإمام أحمد (١٧٦٨٦) وأبو داود (٨٦٩) وابن ماجه (٨٨٧) وابن خزيمة (٦٠٠) وابن حبان (١٨٩٨) والحاكم (١/ ٢٢٥، ٢/ ٤٧٧) عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه -. وقال الحاكم: «حديث حجازي صحيح الإسناد، وقد اتفقا على الاحتجاج برواته غير إياس بن عامر، وهو عم موسى بن أيوب القاضي، ومستقيم الإسناد». فتعقبه الذهبي بقوله: «إياس ليس بالمعروف». وحسَّن إسناده النووي في «خلاصة الأحكام» (١٢٥٥) وينظر «تنقيح التحقيق» لابن عبد الهادي (٢/ ٢٤٨) و «الإرواء» للألباني (٣٣٤).