للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكل مَن نفى شيئًا ممَّا وصف به نفسه جعل نفيَ التشبيه له كالوقاية في الفعل، حتى آل ذلك ببعضهم إلى أن نفى ذاتَه وماهيته خشيةَ التشبيه، فقال: هو وجود محضٌ لا ماهيةَ له. ونفى آخرون وجوده بالكلية خشيةَ التشبيه، وقالوا: يلزمنا في الوجود ما لزم مثبتي الصِّفات والكلام والعلو في ذلك، فنحن نسدُّ الباب بالكلية.

ولا ريب أن المشبِّهة المحضة خيرٌ من هؤلاء، وأحسنُ قولًا في ربهم، وأحسنُ ثناءً عليه منهم.

والطائفة المعطِّلة بمنزلة مَن قدح في مُلك المَلِك وسلطانه، ونفى قدرته وعلمه وتدبيره لمملكته وسائر صفات الملك.

والطائفة الثانية بمنزلة مَن شبَّهه بملك غيرُه موصوف بأكمل الصِّفات وأحسنِ النعوت.

فينبغي أن تعلم في هذا قاعدةً نافعة جدًّا؛ وهي أن نفي الشِّبْهِ والمِثل والنَّظير ليس في نفسه صفة مدحٍ ولا كمالٍ، ولا يُحمد به المنفي عنه ذلك بمجرده، فإن العدم المحض ـ الذي هو أخسُّ المعلومات وأنقصها ـ يُنْفَى عنه الشبهُ والمثل والنظير، ولا يكون ذلك كمالًا ومدحًا إلَّا إذا تضمن كون مَن نُفي عنه ذلك قد اختصَّ من صفات الكمال ونعوت الجلال بأوصاف باينَ بها غيره، وخرج بها عن أن يكون له نظيرٌ أو شبهٌ، فهو لتفرده بها عن غيره صحَّ أن يُنفى عنه الشبه والمثل والنظير والكفؤ. ولا (١) يقال لمن لا سمع له، ولا بصر (٢)، ولا حياة، ولا علم، ولا كلام، ولا فعل: ليس له شبهٌ،


(١) «ح»: «أفلا». والمثبت من «م».
(٢) «ح»: «لا يسمع ولا بصير». والمثبت من «م».