والمقصود أنه لو كان {اَلْعَلِيُّ اُلْعَظِيمُ} إنما يُراد به اتصافه بالعلم والقدرة والملك وتوابع ذلك كان تكريرًا، بل دون التكرير، فإنَّ ذِكر ذلك مفصَّلًا أبلغُ من الدلالة عليه بما لا يُفهم إلَّا بكلفةٍ.
وكذلك إذا قيل: إن علوه وعظمته مجردُ كونِه أعظمَ من مخلوقاته وأفضل منها، فهذا هضمٌ عظيمٌ لهاتين الصفتين العظيمتين، وهذا لا يليق ولا يحسن أن يُذكَر ويُخبَر به عنه إلَّا في معرض الرد لمن سوَّى بينه وبين غيره في العبادة والتألُّه، كقوله:{قُلِ اِلْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ اِلَّذِينَ اَصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ}[النمل: ٦١]، وقول يوسف الصدِّيق:{آارْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اِللَّهُ اُلْوَاحِدُ اُلْقَهَّارُ}[يوسف: ٣٩]، وقوله تعالى عن السحرة إنهم قالوا لفرعون:{إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ اَلسِّحْرِ وَاَللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقى}[طه: ٧٢].
فهذا السياق يُقال في مثله: إن الله خيرٌ ممَّا سواه من الآلهة الباطلة. وأمَّا بعد أن يذكر أنه مالك الكائنات، ويقال مع ذلك: هو أفضل من مخلوقاته وأعظم من مصنوعاته؛ فهذا يُنزَّه عنه كلام الله. وإنما يليق هذا بهؤلاء الذين يجعلون له مَثَل السَّوْء في كلامه، ويجعلون ظاهره كفرًا تارةً، وضلالةً تارةً، وتشبيهًا وتجسيمًا تارةً، ومخالفًا لصريح العقل تارةً، ويحرفونه بالتحريفات الباطلة، ويقولون فيه ما لا يرضى أحدُهم أن يُقال مِثله في كلامه، فيجعلون لكلامه مثل السوء، كما جعلوا له سبحانه مثل السوء، بإنكارهم صفات كماله وحقائق أسمائه الحسنى.
ولو تأوَّل أحدٌ كلامهم أو كلام مَن يُعظِّمونه على ما يتأولون عليه كلام الله ورسوله لقامت قيامة أحدهم، وإذا حُقق الأمر عليهم تبيَّن أن ما يتأولون