للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقيل: لا يجعل لهم عليهم سبيلًا مستقرةً، بل وإن نُصروا عليهم في وقتٍ فإن الدائرة تكون عليهم، ويستقر النصر لأتباع الرسول.

وقيل: بل الآية على ظاهرها وعمومها، ولا إشكال فيها بحمد الله، فإن الله سبحانه ضَمِنَ ألَّا يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلًا، فحيث كانت لهم [ق ١١٥ أ] سبيلٌ ما عليهم فهم الذين جعلوها بتسببهم ترْكَ بعض ما أقرُّوا به، أو ارتكاب بعض ما نُهوا عنه. فهم جعلوا لهم السبيل عليهم بخروجهم عن طاعة الله ورسوله فيما أوجب تسلُّط عدوهم عليهم من هذه الثغرة التي أخلوها (١).

كما أخلى الصحابةُ يوم أُحدٍ الثغرة التي أمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلزومها وحفظها، فوجد العدوُّ منها طريقًا إليهم، فدخلوا منها. قال تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إِنَّ اَللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: ١٦٥]. فذَكَر السبب الذي أُصيبوا به، وذَكَر القدرة التي هي مناط الجزاء، فذَكَر عدله فيهم بما ارتكبوه من السبب، وقدرته عليهم بما نالهم به من المكروه. وقال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَن كَثِيرٍ} [الشورى: ٢٨]. وفي الحديث الصحيح الإلهي: «يَا عِبَادِي، إنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا؛ فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ

إلَّا نَفْسَهُ» (٢).


(١) وهو الذي رجحه المصنف في «إغاثة اللهفان» (١/ ١٧٤، ٢/ ٩٢٧).
(٢) أخرجه مسلم (٢٥٧٧) عن أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه -.