للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال شيخ الإسلام (١): «وهذا الكلام الذي قاله الإمام عبد الرحمن بن مهدي قد قاله غيره، وهو كلامٌ عظيمٌ، فإن هاتين الفرقتين هما أعظم الفرق فسادًا في الدين، وأصلهما من الزنادقة المنافقين، ليستا من ابتداع المتأولين مثل قول الخوارج والمرجئة والقدرية، فإن هذه الآراء ابتدعها قومٌ مسلمون بجهلهم، قصدوا بها طاعة الله، فوقعوا في معصيته، ولم يقصدوا بها مخالفة الرسولِ ولا محادته؛ بخلاف الرفض والتجهم فإن مبدأهما من قوم منافقين مكذِّبين لِمَا جاء به الرسول مبغضين له، لكن التبس أمر [كثيرٍ] (٢) من ذلك على كثيرٍ من المسلمين ـ الذين ليسوا بمنافقين ولا زنادقة ـ فدخلوا في أشياء من الأقوال والأفعال التي ابتدعها الزنادقة والمنافقون، ولبَّسوا الحق بالباطل. وفي المسلمين سماعون للمنافقين كما قال الله تعالى: {وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} [التوبة: ٤٧] أي: قابلون مستجيبون لهم. فإذا كان جِيلُ القرآن كان بينهم منافقون وفيهم سمَّاعون لهم، فما الظن بمن بعدهم؟! فلا يزال المنافقون في الأرض، ولا يزال في المؤمنين سمَّاعون لهم لجهلهم بحقيقة أمرهم وعدم معرفتهم بغَوْر كلامهم.

وأمَّا الرفض فإن الذي ابتدعه زنديقٌ منافقٌ، وهو عبد الله بن سبأ الذي أظهر الإسلامَ وكان يُبطِن الكفر، وقصدُه فساد الإسلام. والتجهم مأخوذ في الأصل عن الصابئين والمشركين، [وهو] (٣) أعظم من الرفض، ولهذا تأخر دخوله في الأُمة.


(١) لم أقف على هذا الكلام فيما عندي من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية.
(٢) «ح»: «كبيرهم». ولعل المثبت هو الصواب.
(٣) «ح»: «وهم».