للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهاتان الملتان يُناقضان (١) أصلَيِ الإسلام، وهما شهادة أن لا إله إلَّا الله وشهادة أن محمدًا رسول الله. أمَّا التجهم فإنه نقضُ التوحيد، وإن سمَّى أصحابه أنفسهم موحدين. ولهذا كان السلف يُترجمون الردَّ على الجهمية بالتوحيد والرد على الزنادقة والجهمية، كما ترجم البخاري آخر كتاب «الجامع» بـ «كتاب التوحيد والرد على الجهمية والزنادقة» (٢). وكذلك ابن خزيمة سمَّى كتابه «التوحيد» وهو في الرد على الجهمية.

وأمَّا الرافضة فقدحُهم وطعنُهم في الأصل الثاني، وهو شهادة أن محمدًا رسول الله، وإن كانوا يُظهِرون موالاة أهل بيت الرسول ومحبتهم. قال طائفة من أهل العلم، منهم مالك بن أنس وغيرُه: هؤلاء قوم أرادوا الطعن في رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلم يمكنهم ذلك، فطعنوا في الصحابة، ليقول القائل: رجلُ سَوْءٍ، كان له أصحاب سَوْءٍ، ولو كان رجلًا صالحًا لكان أصحابه صالحين. والرافضة المتقدمون لم يكونوا جهمية معطلة، وأمَّا المتأخرون منهم من حدود أواخر المائة الثالثة فضموا إلى بدعة الرفض التجهُّمَ والقدَر، فتغلَّظ أمرهم، وظهر منهم حينئذٍ القرامطة والباطنية. واشتهرت الزندقة الغليظة والنفاق الأعظم في أمرائهم وعلمائهم وعامتهم، وأخذوا مِن دِين المجوس والصابئة والمشركين ما خلطوه في الإسلام. وهم أعظم الطوائف نفورًا عن [ق ١١٦ ب] سُنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وحديثه وآثار أصحابه لمضادة ذلك لبدعتهم، كنفور الجهمية عن آيات الصِّفات وأخبارها».


(١) كذا في «ح»، والجادة «تناقضان».
(٢) في «صحيح البخاري» (٩/ ١١٤): «كتاب التوحيد». وزيادة: «والرد على الجهمية» في نسخة المستملي، وينظر «فتح الباري» لابن حجر (١٣/ ٣٤٤).